منتدي أوراق عربية

مصطفى كامل سيف الدين يكتب وداعا 2013 ولكنك لن تختفى

بقلم /مصطفى كامل سيف الدين

اليوم تسمو ارواحنا على عامنا الماضىالذي اوشك على الأنتهاء واحزم امتعته معلناً الرحيلسيرحل حاملاً في جنباته ذكرياتنا احلامنا اعمالنا طموحاتنا صرخاتنا وضحكاتنا وامسياتنا خلافاتنا العام الذي استعجلنا قدمه هاهوه الأن يستعجل الرحيليمد اليد ليصافحنا مصافحة الرحيل النهائيها هي سنة2013قاربت على الأنتهاءقاربت على الأختفاء سترحل لكنها لم تمت ستبقى ذكرياتها مرسخة في ارواحنا وقلوبنا

ودَّعْنا عامًا واستقبلنا عامًا آخر؛ ودَّعنا عامًا بحلوِه ومُرِّه، بخيره وشرِّه، بحسناتِه وسيئاته، بسلبياته وإيجابيَّاته، ودَّعنا عامًا كان مثيرًا وكان ساخنًا في أحداثِه ومواقفه وساعاته، واستقبلنا عامًا آخر، نسأل الله أن يكون عامًا طيبًا مثمرًا، يحمل الخير لمصر والمصريين، للإسلام والمسلمين.

 

محطة إيمانية نتزوَّد منها بين عام مضى وآخر أتى، مع أننا – نحن المسلمين – يجب أن نحتفيَ بالتاريخ الهجري، ونؤرِّخ بالتاريخ الهجري، أما الميلادي، فهو تاريخ الفرنجة يتخلَّله أعياد اليهود والنصارى!

 

إن الله جعل الحياة متعادلة، لا تَسِير على نمطٍ واحد، ولا تَمشِي على وتيرةٍ واحدة، ولكنها متقلِّبة، فالجو يصحو ويغيم، والصحة تقوَى وتضعُف، والأيام تُقبِل وتُدبِر، والنجوم تظهر وتأفل، وربك يخلق ما يشاء ويختار، وكل شيء عنده بمقدار!

 

والمسلم الحقُّ الذي يحيا بين هذه التقلبات مؤمنًا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد – صلَّى الله عليه وسلم – نبيًّا ورسولاً، يعرفُ ربَّه؛ فلا يستعين إلا به، ولا يتوجه إلا إليه، لا يعبد غيره ولا يستعين بسواه، يردِّد دائمًا في مصلاه: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]؛ فلا يتحوَّل بتحوُّل الأيام، ولا يتردَّد مع مرور الأعوام؛ وإنما يحيا صلبَ العود، رابطَ الجأش، قويَّ الإيمان، واثقًا في نصر الله؛ فيحيا في هذه الأرض عبدًا حرًّا لله لا لأحد سواه.

 

الإنسان من طبيعتِه النسيان؛ لأنه لو تذكَّر ما ألَمَّ به من آلام وأحزان، وما أحاطه من مكايد وشدائد؛ لكَرِه العيش، وسئم الحياة، إنما رَحِمه الله فجَعَله يتذكَّر القريب، فإذا ضربه الزمن بأيامه ولياليه، فإن الأيام تنتهي، والساعات تنقضي، والجروح تندَمِل، والأحزان تنمحي، ويُشغَل الإنسان بحاضره، لكن هل ما ينساه الإنسان ينساه الملك الديَّان؟! كلاَّ، ثم كلاَّ! فالإنسان مراقَب على مدار اللحظة! وتسجِّل ما يترك حتى يوم العرض الأكبر، لا جيوب ولا نتوءات، لا خزائن ولا حصَّالات: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18]، هناك ينطق ما سجلت، ويخرج ما طبعت! ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]، عملُك ينسخ في آلة إلهية لا تضل ولا تنسى، ويحفظ في مكان مأمون لا يُتلَف ولا يسرق، ولا يصادر، ولا يتغيَّر بتغير المناخ من أعاصير أو رياح، كلا! وإنما: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

 

كلما مرَّ عامٌ عليك يجبُ أن يعلن فيك أنك تقترب من قبرِك، وتقترب من آخرتك، وتقترب من ربك، وتقترب من حسابك، وتقترب من مصيرك!

 

أنت بين يوم مشهود، ويوم موعود؛ فقدِّم لليومينِ، واعمل للدارين؛ اعمل لغَدِك كما تعمل ليومِك، واعمل لمعادِك كما تعمل لمعاشِك، واعمَل لآخرتك كما تعمل لدنياك، الله – عز وجل – يُقسِم بأجزاءِ الوقت؛ يُقسِم بالليل ويُقسِم بالنهار، يُقسِم بالفجر ويُقسِم بالعصر، والعظيمُ لا يُقسِم إلا بعظيمٍ، ولا يُقسِم الله – عز وجل – بشيءٍ إلا ليلفتنا إليه، الوقت هو ثروتنا، هو حياتنا، هو وجودنا، يجب أن نستغله ونستهدفه، ونضع له الخطط لمصلحة ديننا ودنيانا؛ لنجعل الدنيا مزرعة للآخرة، وإلا سنذبح بهذا الوقت، إنه كالسيفِ إن لم تقطعْه قطعك.

 

العام اثنا عشر شهرًا، والشهر ثلاثون يومًا، واليوم أربع وعشرون ساعة، والساعة ستون دقيقة، وفي كلِّ دقيقة كم من نَفَسٍ يتردَّد، وكم من قلبٍ ينبض، وكم من عينٍ تطرف، وكم من نعمةٍ تغمرك من “ساسك إلى راسك”، ومن شعرك إلى قدمك، ماذا أنتَ صانعٌ في هذا الوقت؟! هل تشكر هذه النعمة؟ هل نذكر المُنعِم؟ هل من إيمانٍ يوجِّهنا نحو الجهاد والعقيدة، نحو السمو والعلو، نحو السباق والإشراق، نحو الإحسان والرضوان، نحو النجاح والفلاح؟

 

هل نسطر مستقبلاً باهرًا لهذه الأمة؛ سلوكًا وأخلاقًا، صفاءً ونقاءً، تلاحمًا وإخاءً، تقديرًا واحترامًا، تقدمًا وازدهارًا، مجدًا وتاريخًا؟

 

إذا رُزِقت الإيمان، فأنتَ مرزوق، وإذا حُرِمت الإيمان، فأنت محروم، على أيِّ لونٍ كانتِ الحياة؛ قويًّا أو ضعيفًا، غنيًّا أو فقيرًا، مريضًا أو سليمًا، حاكمًا أو محكومًا؛ الإيمان مع الحاكم حاجزٌ ألاَّ يَظلِم، ومع القويِّ عاصم ألاَّ يستبدَّ، ومع الغني هادٍ ألاَّ يبذِّر، ومع الفقير راشد أن يأكل بالمعروف، ولا يسأل الناس إلحافًا.

 

الوقت إذًا هو الحياة، واستغلاله في الطاعة طوق النجاة، يجب أن نكون من الله على وجلٍ، ومن الجنة على عجلٍ، ومن الآخرة على أحسن عمل، إذا مرَّ يومٌ من حياتك، فقد وقعتْ ورقة من شجرتك، وطُوِيت صفحة من صفحاتك، وهَوَى جدار من بنيانك، الليل والنهار يعملان فيك؛ فاعملْ فيهما، يقرِّبان كل بعيد، ويُبْلِيان كلَّ جديد، ويَفُلاَّن كل حديد؛ فحاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم؛ انطلاقًا من العام الجديدِ سطِّر صفحاتك، دون كتابك: تعداد صفحاته يقارب ثلاثمائة وستًّا وستين صفحة، كيف تبدؤه؟! كيف تقدِّم له؟ ماذا تكتب فيه؟ صلاة فجر، قيام ليل، قراءة قرآن، بر والدين، حسن جوار، أمر بمعروف، نهي عن منكر، إحقاق حق، إبطال باطل، جهاد ورشاد، طاعة وانقياد.

 

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق