منتدي أوراق عربية

المرأة وأيامها …. بقلم أحمد المنسي

يحتفل العالم هذه الأيام باليوم العالمي للمرأة , وهذا أمر قد يدخل السرور على الكثير من النساء أن يوما من كل عام يتم الاحتفال فيه بالمرأة ويسمى باليوم العالمي للمرأة .

كنت كثيرا ما أضيق بتعبير ( قضايا المرأة ) , وقد كان من المقترح أن أطرح هذا المصطلح في القناة الفضائية التي كنت  أعمل بها وذلك من خلال برنامجي الذي كنت أقدمه , وأذكر وقتها أنني لم يرق لي هذا التعبير وأنا أفكر فيما يسمى بقضايا المرأة , كنت أدرك أن المرأة ليس لها في الأصل قضية ولا يمكن أن يوجد ما يسمى بقضايا المرأة , وإن كان للمرأة بذاتها مشاكل خاصة , وقضايا خاصة ؛ فإنها مشاكل مجتمع بأسره , وقضية مجتمع بأكمله ,لأن المرأة ليست فرعا منبثقا عن أصل , وليست طرفا يتعين على طرف آخر أن يعنى به , إنما هي الأصل , والأصل لا يكون إلا بها.

في اعتقادي أنه من أكبر علامات السقوط في أمة من الأمم أن يكون للمرأة فيها قضايا , وأقصد هنا بكلمة قضايا ( مشكلات خاصة بالمرأة تحتاج إلى حل ) , وهذا يعني أنه كلما ارتقت أمة من الأمم أو بلد من البلدان اختفت فيها مشكلات المرأة , إذ أنه لا معنى لذلك إلا أن هذا الاجتماع الإنساني قد جهل أصلا من أصول الحياة لا تقوم إلا به , وهو أصل يحمل شرف الأمة كلها بعنصريها معا الرجل والمرأة , إذ لا توجد مشكلة في حياة امرأة على الإطلاق إلا كانت مشكلة للرجل أيضا, فهما مادة الاجتماع الإنساني , وعنصري الحياة البشرية , وهذا يعني أن عارا يلحق برجل يكفل امرأة إذا عانت , كما أن عارا يلحق بامرأة لم تعرف دورا في صناعة الرجال .

هنا يكمن سر المسألة برمتها , فإن اليوم الذي لا يكون إلا بليل ونهار , كالحياة لا تكون إلا بامرأة ورجل ,  كلاهما يحمل نصف الحياة ونصف السر , وأعظم النصفين في البشر وأجملهما للمرأة , إذ يخرج منها الإنسان حيا كالنهار ينسلخ من الليل يحمل النور والحياة مولودا جديدا مع كل إشراقة شمس .

عندما يكون للمرأة قضايا تشعر معها بالغبن والظلم , فهذه مسالة تمس المجتمع والمؤسسات وإدارة الدولة وأخلاق الأمة, وتُسأل عنها المرأة قبل الرجل , فإن الذي يأخذ المرأة من قمة طبيعتها الإنسانية جرا إلى قاع التخبط والضلال هي المرأة ذاتها ابتداء , فعندما تعتمد المرأة على الرجل في حل مشاكلها , فقد بدأت هذه الفكرة بالانشغال بالفارس القادم على حصانه الأبيض ليحملها إلى حيث السعادة والهناء, ذلك الحلم المسطح الأجوف الذي مسخ عقل المرأة وجعلها مادة وموضوعا للنقاش في كل محفل وزاوية, وخلق مجتمعا ذكوريا – إن صح  التعبير – من صنع المرأة نفسها .

كثير من النساء أراهن حقا أعظم من بعض الرجال وأنفع , وأكثر منهن قد قصرن في حق أنفسهن وفي حق المجتمع كله, عندما تهمل المرأة دورها في تخريج الأجيال وتعليم النشء وضبط زوايا البيت أدبا وعلما وخلقا فقد أهلكت أمة بأسرها, عندما تجلس بالساعات أمام الفضائيات بين مسلسل وأغنية ومسابقة , وما تبقى من الوقت تقضيه في الحديث عبر الهاتف المحمول فيما لا ينفع , عندما تتخرج من الجامعة وتقوم بجمع الكتب والأوراق وتلقي بها في كيس القمامة, عندما تصرخ في وجه أولادها لأنهم تجرءوا على طرح سؤال أثناء حديثها عبر الهاتف , ولا تجد وقتا للجلوس معهم , عندما يكون حالها مع الزوج لا يتعدى الشك وسوء الظن وضيق الأفق والعتاب الدائم , عندما تكون معول هدم , عندما يفقد الرجل امرأته حيث يريدها , فيبدأ بإهمالها, فهنا نؤكد أن للمرأة قضايا و هي ذاتها قضايا المجتمع و نفسها قضايا الأمة.

 إن المرأة التي تستحق كل إكبار واحترام؛ هي تلك المرأة التي تملأك بالتحدي والغيرة, وربما الخجل , هي الثائرة ؛ لكن  على الهمجية, المعترضة؛ لكن على السقوط, الكارهة؛ لكن للجهل, المتعالية ؛ لكن على الصغائر, تزدري الغث ولا تعرف الفراغ , تكون مختلفة في زمن يعشق الأخريات فيه المرايا ويقدسن الصورة ,ويستسلمن للمرئيات , والحلم الواحد المسطح . تلك المرأة التي لها حلم كبير, ومعنى كبير , وهم كبير, تقوِّم المعوج وتربي النشء وتصنع الرجال.

اذا ارتقت المرأة ؛ ارتقت الأمة , وإذا سقطت المرأة سقطت الأمة, المرأة هي المعيار الحقيقي لأسباب الرفعة , وعليها هي – لا غيرها – أن تفهم وتدرك هذه المعاني , وتعمل من أجلها إذا أرادت أن يكون لها أثرا جميلا, لا في يوم واحد من العام , وإنما في كل أيام السنة , ولكن عليها أن تجمل أيامها هي , بيدها هي , بعقلها هي , وتدرك حقيقتها وتفهم طبيعتها , فهي الصانعة لا المصنوعة , وهي الباعث الحقيقي لكل جميل , وهي الحياة .

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق