مواهب علي الطريق

ليلة سقوط شيخ الحارة بقلم/ حسام خضرة_خاص لأوراق عربية

كان الوقت مساءاً، والهدوء يحف المكان، وأسطورة الأمن الخرافي تلف حياة العامة في تلك المدينة التي يلاطم الموج الحزين ساحلها؛ والمارون ليلاً بين أزقة شوارعها وكأنهم اعتنقوا فكرة غير التي يراها السكان هناك، فأضواء الشموع تبرق من نوافذ المنازل، ولا صوت سوى لبعض الطيور التي تشعرك بأمن السماء أيضاً.

 

أصوات قرع بالنعال قطعت سكون الليل، وأسطورة اهتزت معالمها حين نزل ذاك الشاب مسرعاً من منزله ليرى مصدر تلك الأصوات؛ كانت النعال تنزل كالسيل على رأس شيخ الحارة بعد أن لمحه أحد الجيران متلصصاً في عتمة الليل على ابنته العذراء خلال نومها.

 

عاد الشاب إلى منزله مسرعاً ليقف متسمراً أمام المرآة يحاول فهم ما حدث، فهو الذي كان ينعته الشيخ بالفاسد لمجرد أنه يهتم كثيراً بمظهره الخارجي؛ سرحت مخيلة الشاب قليلاً ليتذكر جزءاً من مسرحية الشيخ التي كان هو أحد الشخوص الهامة بداخلها، فالشيخ كان يحاول إعلاء صوته حين ذهابه لصلاة الفجر ليوهم الناس أن يكونوا أصحاب همة عالية مثله، يجلس صباحاً أمام باب منزله محاولاً الحديث إلى المارة في تعاليم الدين.

 

حاول الشاب أن يوهم نفسه بالنوم بعد هول ما رآه، لكن تلك اللحظات التي تتكرر أمام عينيه كل ثانية تبقيه حائراً متمنياً لو أنه كان نائماً ليستمع صباحاً دون أن يرى ذاك المشهد ليلاً.

 

في الصباح، تغير المشهد كلياً، كل من يستمع لتلك المصيبة يهرع إلى الشارع ليستمع أكثر إلى مشاهد تلك الليلة؛ أما ذاك الشاب فما زال حائراً ينظر في مرآته وكأن أحداً صفعه أن أفِق فمظهرك لا يوحي بما هو داخلك؛ استجمع قواه ليعود إلى الشارع مرة أخرى بنفس المظهر ليجد أن الناس جميعاً قد انقلب حالها بين ليلة وأخرى؛ الجميع أصبح يلعن ذاك الشيخ بعد أن كانوا يلتمسون منه البركة التي كان يدعيها بورعه الزائف.

 

أتى المساء سريعاً ليعود الشاب إلى سريره مستغرقاً بهول ما حدث في الليلة الماضية، أسند ظهره إلى مؤخرة السرير، وضع يده اليسرى خلف عنقه، وأشعل بيده اليمنى سيجارة علها تعيده إلى ما قبل تلك الليلة الظلماء؛ خيل له بأول دفعة من الدخان خرجت من فمه بياض ثوب ذاك الشيخ أيام كان صبياً ليلحقها بدفعة هواء سريعة تخفيها من أمام عينيه قائلاً، “ليس هذا المشهد لا أريد”، وصلت سيجارته إلى نهايتها وهو يحاول استذكار مشهد غاب عن باله طويلاً، وفي آخر دفعة من الدخان خرج له ما أراد وكأن مارداً ملأ مخدعه الصغير؛ رأى الشاب نفسه واقفاً أمام الشيخ الذي أسهب في حديثه إليه ذات صباح قائلاً ، “هل ترى انك تبدوا في ملبسك إنساناً ملتزماً وما هذا الذي تضعه في عنقك متشبهاً بالكفار وما هذا الذي تلبسه في إصبعك متأثراً بالأفلام التي تراها، وما ذاك النعل غالي الثمن في قدميك أليس لو تصدقت بثمنه كنت من المرضيين”.

 

عاد المارد سريعاً يتخفى بين ذرات الهواء ليختفي المشهد الذي عاد به إلى ما قبل التاريخ، ليجد أن الشيخ في زمنه أصبح مجرد جلابية لا تعرف بياضها من رثتها يعلوا عنقها لحية لا تفرق في خشونتها حصير منزله، يعلوها قليلاً نصف دائرة تغطي ذاك الرأس المبارك في زمانه البعيد، ويدنوها نعل لا تعرف طهره من أي شيء آخر قد يكون..

بقلم/ حسام خضرة_خاص لاوراق عربية

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق