مقالات اجتماعيةمنتدي أوراق عربية

طبيب الغلابة .. حين تصبح علي درجة إنسان “بروفايل” حامد بدر

قالوا بأن للعلم أنبياء ورسل كما للأديان، ويمكننا القول أيضًا أن للإنسانية رسل يرسلهم الله وحيهم ضمائرهم،

ودينهم يؤمن به كل رشيد عاقل، يسعون إلى تحقيق السلام والرحمة دونما مقابل، ينشرون الخير بأفعالهم التي ينسجونها، فتجد عند الناس المحبة ويجدون فيها كل طاهر وعفيف وحسن.

فلا يلازلوا ذاكرين أفضالهم ومحبتهم ودماثة خُلقهم، فهم الذين لم يطمعوا فيهم،

بل خففوا من جراح نفوسهم قبل جراج أجسادهم، فأوقفوا نزيفًا من كسر الخواطر يدمي، وضمدوها بضماد طيب.

كل هذا كان حملاً مُلقى على الراحل الدكتور محمد مشالي،

الطيب الذي حاز درجة الإنسانية مع مرتبة الذكرى الطيبة في نفوس المهمشين والفقراء،

الذين ظل لهم ملجئًا طيلة نصف قرن تقريبًا، فبجنيهات عشرة كان يستطيع أي مريض أن يحصل على كشف طبي وعلاج مجاني إن لزم الأمر،

فلقد كرَّس حياته لمساعدة هذه الطبقات التي تلوذ إلى كل ما هو دون دفع مُسبق،

فحقق بشكل عملي ما لم يستطع الكثيرون تحقيقه بمئات الشعارات، وبدون هتافات، لينصب مدافعًا عنهم بأدواته الطبية لصد سرطاني المرض والفقر، وبسلاحه العلم.
لقد كان للرجل نظرة مسالمة مع الحياة، فقد كان يرى أنها عطته أكثر مما يستحق،

إذ رأى أن مجانية التعليم التي أقرها الرئيس الراحل عبد الناصر وقام بتفعيلها ليل أن رجع خائب الأمل في قبوله الالتحاق بها، تظرًا لظروف والده التي كادت أن تقف بينه وحلمه المنشود منذ صغره،

ليحقق حلمه بعدها ويتخرج عام عام 1967، متخصصا في الأمراض الباطنية (الطب العام) والحميات والأطفال.

لكن الأيام لا تترك النابغين إلا بعد ان تعلمهم الدرس كاملاً ليكونوا مؤهلين لحمل رسالة الإنسانية دون نقصان،

فيوم أن فزِعَ إليه الناس لينجد طفلاً في حريق انشب بجسده النحيل، يذهب إليه ويحتضنه،

ليكتشف حقيقة مرّة بأنه هو الذي تخلَّص من حياته لأن أمه التي تعول اخوته الآخرين لا زالت تضاهي بين وجبة عشاء من (الطعمية والخبز) أو أن تشتري له الإنسولين فيموتوا جياعًا،

وهنا اكتمل الطبيب نضجًا، فعرف أن الثروة والمادة غاية دنيا أمام إنقاذ حياة إنسان.
وهنا تعلمنا سيرة الطبيب أن الرسالة التي نتسلمها من الله كل يوم إنما هي حمل وأمانة،

لا يعرف قيمتها سوى عاقل مستقيم، عرف الله في نفسه فبل أن يعرفه في الكتب المقدَّسة،

ليتحول بعدها إلى “رومانة الميزان” التي تعتدل كفتاها وتصير رهن الضمير الحي النابض داخل خلجات نفس حاملها، بعدما ترك موضع المتفرج على أزمات الدنيا.

يتحول المرء في مثل هذه السير الطيبة إلى صانع المشهد،

محققًا لأطهر الغايات ألا وهي أن يكون بدرجة “إنسان”.
اليوم تنتهي مسيرة كتبها الإنسان طاعةً لخالقه الرحمن، ولكن السيرة أطول من المسيرة ..

والوداع لحين ملتقى عند مِقعَدٍ أطهر وأشرف.
وداعًا الدكتور محمد مشالي .. وداعًا رسول الإنسانية .. وداعًا طبيب الغلابا.

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق