روايات مُسلسلةمنتدي أوراق عربية

جـابـر القصـاص يكتب لأوراق عربية …. سراديب – قصة مُسلسلة / ج 5

(الحلقة الخامسة)
صديقي الشيخ (عادل) أيضًا يحسدني على مهنتي!
كلما لقيني يقول لي مازحًا:-
– “إما أن تدلني على المطلقات الجميلات اللاتي تتعامل معهن، وإما أن تتخذني سكرتيرًا لك بدون أجر! تعلّم المشاركة..”
(عادل) أيضًا رفيق الطفولة والصبا، وزميل الصف الدراسي خلال المرحلتين الابتدائية والإعدادية، قبل أن ينقله أبوه إلى الأزهر مع بداية المرحلة الثانوية، وهكذا تغير مسار حياته تمامًا.
والد (عادل) – الشيخ (عبد الكريم) – كان شخصًا فاسدًا منحرفًا، ومعروفًا بين الناس بتعاطي الخمور والمخدرات، وله حكايات كثيرة مخزية متعلقة بها، وظل كذلك حتى وقعت له تلك الحادثة الأليمة حين فقد ابنه البكر (عماد) في حادث سير مروع، وكان (عماد) يدرس بالجامعة وقتها، فكان المصاب أليمًا للغاية، والحدث جلل، فالفتى في ريعان شبابه، وموته قصم ظهر والديه، بعدها تغير مسار حياة الأب، ولزم المسجد والمصحف، ولم تمض عدة أشهر حتى كانت لحيته تملأ وجهه، وارتدى الجلباب القصير، وفرغ نفسه لحفظ القرآن ودروس العلم، وفي خلال سنوات قليلة أصبح مرجعًا لكل أهل الحي، لا يثقون بفتاوى أحد بقدر ثقتهم فيه، ولا يصدرون إلا عن رأيه، ونسوا تمامًا ماضيه السيئ!
وانعكس هذا التحول في حياة الأب على الأسرة جميعها، فجأة صرنا لا نرى والدة (عادل) وأخته الوسطى إلا بالنقاب، وانتقل (عادل) إلى الأزهر، وكان طموحه دخول الطب أو الصيدلة، لكنه لم يكن يملك الالتزام والاجتهاد الكافي لذلك، فدخل إحدى كليات الدعوة، ليصير إمامًا وخطيبًا معتمدًا، وأذكر مرة أنه قال لنا، وهو لم يزل يدرس بالثانوية الأزهرية:-
– “إن شاء الله إن أفلحت سأصير طبيبًا أو صيدليًا، وإن فشلت سأصلي بكم!”
وقد حدثت الثانية!
بالنسبة لأهالي الحي ما زالوا لا يتقبلون فكرة كون (عادل) إمامًا وداعية، ولم ينسوا ماضيه أبدًا كما نسوا ماضي والده، لأن (عادل) ببساطة لم يصر إلى ما صار إليه والده من الالتزام، (عادل) يمكن تصنيفه من الدعاة الذي يقال عنهم: (وسطيون)، حليق اللحية، لا يرتدي الجلباب ولا يقصر الثياب، ولا يرتدي الطاقية إلا حين يكون فوق المنبر، لا يرتدي حتى الزي الأزهري، بل يرتدي القمصان والبنطلونات كعامة الناس، هو أشبه ما يكون بهؤلاء الدعاة الجدد الذين نراهم فقط في شهر رمضان على بعض الفضائيات، يرتدون البذلات الإفرنجية، ويصففون شعرهم اللامع بعناية، ويلقون الدروس بالعامية، ودروسهم لا تخرج عن قصص وحكايا من الغزوات والتاريخ القديم. وأظن (عادل) يصلح للظهور على تلك الفضائيات ببنيانه الرياضي، ومظهره الوسيم الباسم، ولباقته الشديدة، فضلًا عن كونه من أهل التيسير الذين يجيزون أي شيء، ولا يحرمون إلا القليل من الأشياء!
وماضي (عادل) كله نساء، بداية بالخطابات التي كان يكتبها بالمدرسة الإعدادية ويلقيها في أدراج البنات، وتم ضبطه ومعاقبته عليها أكثر من مرة، ثم شكاوى بنات الحي   من معاكساته المستمرة، وعراك بعض أخوات هؤلاء البنات معه بسبب ذلك، وله في ذلك قصص شهيرة في الحي، وما جاوره من الأحياء!
يمكن القول إنه كان مراهقًا طائشًا في تلك الفترة، طائشًا بطريقة مفضوحة، إلا أنه في فترة الجامعة لم تصدر منه مثل هذه التصرفات، لكن هذا لا يعني أنه التزم، غاية ما هنالك أنه صار أقل تهورًا، وأكثر حذرًا.. وأنا خير شاهد على ذلك!
(عادل) هو الذي علمني كل شيئ وعلى يديه عرفت كل ما أعرفه عن الجنس والنساء بوجه عام، أنا أكثر من يعرف أن (عادل) لم يتب، فقط هو عرف كيف يستتر من الفضائح، وهذا لم يحسن سمعته كثيرًا، لكن المريح في الأمر أنه لا يكترث أصلًا بتحسين سمعته، هو يتجنب الاحتكاك بأهل الحي الذين يعرفون ماضيه، ويقضي أغلب أوقاته في أماكن بعيدة، أنا عن نفسي لا أراه بالحي إلا لمامًا، ومصادفة، ولقاءاتي به تتم في أي مكان بعيد، لكن أهم شيء أن صداقتنا لم تنقطع أبدًا!
(عادل) يكون معي على طبيعته، لا يحاول التظاهر بغير حقيقته، ولا يكاد يخفي شيئًا عني، برغم أني أخفي أشياء كثيرة عنه، ليس لعدم ثقتي فيه، بل حياء من أن يعرف أني مثله وأكثر، بل هو أكثر نقاء مني برغم كل شيء..
أنا أعرف (عادل) جيدًا، أكثر من أي شخص آخر، الجنس ليس هدفه، ولو كان يريده لحصل عليه بسهولة، فلديه من الوسامة واللباقة والذكاء ما يمكّنه من ذلك، أعتقد أن (عادل) يبحث عن الحب، لقد خاض تجارب كثيرة ليس الحب من بينها، ولهذا هو الآن في العام الحادي والثلاثين من عمره ولم يتزوج مثلي أنا و(محمود)، (جمال) هو الوحيد الذي تزوج من رفقتنا، نحن الثلاثة لم نفعل بعد، لكن لظروف مختلفة.
(محمود) قرر أن يعزل نفسه عن العالم، وأنا قررت الاختباء خلف شخصية وهمية على مواقع التواصل لأرتع بها كيفما شئت دون أن يضبطني أحد، أما (عادل) فلم يتزوج لأنه – في اعتقادي – يبحث عن واحدة بعينها بين النساء ولم يجدها بعد، هو لم يخبرني بذلك، لكني أعرفه وأكاد أجزم به.. إلا أني لا أعرف لماذا لم أتزوج أنا بعد!!
آخر مرة التقيت فيها بـ (عادل) كانت منذ عدة أسابيع، حيث سألني باهتمام:-
– “هل تعمل بقضايا الخلع؟”
هذه المرة كان سؤاله جادًا، فأجبت بجدية مماثلة:-
– “نعم.. لماذا تسأل؟”
هز كتفيه بعدم اكتراث، ثم قال:-
– “فضول لا أكثر.. كم قضية خلع تناولتها حتى الآن؟ وربحتها أم ……؟”
لا أعتقد أن الموضوع مجرد فضول كما يزعم، لكن بما أنه لا يريد أن يخبرني لن أضغط عليه، وسأنتظر حتى يكشف مراده بنفسه.
– “ثلاثة، وربحتهن جميعًا، هذه ليست قضايا تحتاج إلى براعة من المحامين، ولن أقول هذا لغيرك، المهم رغبة الزوجة، واستعدادها التام للتنازل عن كل شيء، هذا كافٍ جدًا لحسم القضية أيًّا كانت الأسباب التي دعتها لذلك!”
لمعت عيناه بغرابة، وقال:-
– “هذا رائع..”
– “ما الرائع في الأمر؟”
هذه المرة أنا الذي كان يحرقني الفضول لأعرف، وقد شعر هو بذلك فقال مبتسمًا:-
– “أنت تعلم أني داعية، وتعلم أيضًا أن تأثيري في النساء أكبر بكثير من تأثيري بالرجال، اكتشفت مؤخرًا أن نسبة كبيرة جدًا من نساء البلد يرغبن في الخلاص من أزواجهن، لا يمر يوم دون أن تسألني إحداهن عن حكم الخلع، ومتطلباته، ولا أعرف محاميًا أثق به سواك، لهذا أريد أن أعرف خطوات هذا الأمر القانونية، حتى يكون لديّ الجواب لأي سؤال محتمل، هذا كل شيء!”
جواب مقنع، وغير مستبعد..
غمز بعينه مستطردًا:-
– “سأعمل لك دعاية مجانية بين النساء اللاتي أعرفهن أنا ويرغبن في خلع أزواجهن، مقابل أن تعرفني أنت بالمطلقات الجميلات اللاتي تتعامل معهن!”
وضحك باستمتاع..
***

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق