تونس

الفتنة : مصيدة الجيوش العربية

 

عنوان الفتنة من العناوين التي تثير الفزع في الآونة الأخيرة في المنطقة العربية والتي لها نتائج كارثية على الحياة العامة بكل مستوياتها .تحت هذا العنوان تتقاطع كثير الصراعات الخطيرة والدموية التي حولت المنطقة إلى ساحة من الإجرام المتبادل في شكل حرب على الهوية . هذه الظاهرة المخربة للنسيج الاجتماعي للمجتمعات وأساسا المجتمعات الشرقية ومنها المجتمع العربي صحبت تشكل الدولة العربية الإسلامية في كل مراحل تاريخنا القدم والحديث ووقع الاستناد إليها في الصراعات الداخلية العربية – العربية في الاستئثار بالسلطة أو بالجاه أو بالمال أو بالأرض ..وحتى لا يكون عملنا استعراضا لتاريخ الفتنة والذي يمكن أن يجرنا إلى تحميل مسؤوليات و إصدار الأحكام الشيء الذي لا يعنينا في عملنا وليس مقام مقالنا ومقاربتنا هذه فإننا سنكتفي في الحديث عن هذه الظاهرة الخطيرة خلال الآونة الأخيرة فقط وفي ظل ما يسمى “بالربيع العربي”دون أن ننكر الجذور التاريخية لهذه الآفة أو ننكر خطورتها على كل المفاهيم الإنسانية.فما الذي جعلها سريعة الاشتعال والتوسع في خارطة المنطقة العربية بهذا الشكل القاتل والمأساوي هو تساؤل لن نجد عناء كثيرا في الإجابة عنه . إن التجريد السريع لفسيفساء الهويات في المجتمع العربي يوقفنا على تنوع غريب للانتماءات والهويات والتي جاوزت منطق التنوع الايجابي إلى التناقض السلبي بفعل المدافعين عنها ضد ما يعتبرونه مخاطر الإلغاء من قبل المختلفين عنها من ذوي الهويات الأخرى أو بفعل المحتمين بها في إدارة الصراع لأجل إثبات الذات والانتصار على الأخر في مجالات الأحقية في الحكم أو في سبيل السيطرة على المال ومصادره أو السيطرة على المجال الجغرافي. وبفعل الموالاة المطلقة للعرق أو المذهب أو الطائفة أو القبيلة أو الدين وكذلك بفعل الأحقاد التاريخية المتراكمة نتيجة فترات مأساوية من الصراع والحرب على الهوية الذي خلف إرثا من العدوانية لا حدود لها في إقصاء الآخر وعدم الاعتراف به تفاقمت هذه الظاهرة وانتشرت سريعا بين مفاصل المجتمع .وظلت هذه الهويات المتعادية على مر العصور بين أبناء المنطقة تتصيد فترات عجز الدولة على فرض التعايش بإلزامية القانون أو المؤسسات أو أيضا فرض هذا التعايش باستخدام الإدماج ألقصري بين الهويات داخل حدود مجالها.
يمكن أن نخلص إذن إلى أن المنطقة العربية وهي التي تعنينا اليوم هي أرضية خصبة لاحتضان هذا النوع من الصراع والتناقض الذي يسمى فتنة. ويسهل على كل من يريد سوءا بمجتمعنا أن يوقظ هذا المارد النائم في مفاصل امتنا والذي رغم المتراكمات الايجابية في سبيل استغلال هذا التنوع ايجابيا لصناعة نسيج من التعايش يقوم على مبدأ الاحترام المتبادل بين الهويات بعيدا عن الإلغاء أو الإقصاء أو القهر ظل ينخر النسيج الاجتماعي ويهدده بالتفكك في كل لحظة وهذا من مظاهر فشل النظام الرسمي العربي المسئول الأول عن تفاقم مخاطر الفتنة سواء كان ذلك عن قصد حين يقوم الحاكم في البلاد العربية بتغذية هذه النعرات واستغلالها في الاستئثار بالسلطة بتغليب فئة على فئة أو طائفة على طائفة أو مذهب على مذهب أو قبيلة على أخرى ..وعن قصد كذلك حين توظف الهويات لدى بعض الحكام العرب في القضاء على المعارضين باسم الرد على العدوانية الطائفية لإخماد أي طموح إلى التغيير (البحرين مثلا) وإحكام نظم الاستبداد وهي من الظواهر اللافتة في سياسات الحكم في الشرق عموما أو عند العرب بصفة خاصة أو كان ذلك عن غير قصد حين يعمل بعض الحكام العرب بدعوى الحفاظ على الوحدة الوطنية وسيادة الدولة على المجال الجغرافي أو الاجتماعي إلى فرض الإدماج ألقصري للهويات وصل في عديد الأحيان إلى استخدام العنف المأساوي لفرض الانتماء إلى الدولة ولمعالجة الدعوات الانفصالية التي تظهر هنا وهناك على امتداد المنطقة بالغرب أو بالشرق العربيين. لقد فشل النظام الرسمي العربي فشلا ذريعا طيلة عقود من الاستقلاليات وفك الارتباط بالاستعمار المباشر والتقليدي في صناعة أرضية تعايش طبيعية تكون حاضنة لنسيج من التعايش الأهلي الإنساني يحافظ على التنوع ويقوم على احترام الحياة المشتركة بين المختلفين . لقد فشل النظام الرسمي العربي عن قصد أو عن غير قصد في صناعة نسيج تندمج فيه الهويات تدريجيا يتخلى فيه المواطن العربي عن الاعتداد العدواني بهويته دون أن تلتفي فيه ذاته أو تقصى من التفاعل الايجابي مع الأخر.فشل الدولة هذا بإرادة الحاكم فيها وبعدم صلاحية مؤسساتها لمثل هذا الدور الحضاري أساسا ترك مجتمعنا ومنطقتنا مجالا سهلا وخصبا لمن يريد أن يدمر نسيجنا المشترك طيلة قرون لتسهيل الانقضاض على امتنا والتحكم فيها .
هذه الظاهرة استطاع الاستعمار ان يعود مرة اخرى ويوقد نارها ليتمكن من اعادة جدولتها بطريقة جديدة تحت عنوان الشرق الاوسط الجديد او تجديد خارطة سايكس بيكو .فبعد الخارطة الاولى لسايكس بيكو الاستعمار التي رسمت على قاعدة عدوانية تجاه الامة وعلى قاعدة اقتسام الغنيمة بين مختلف الغزاة الغربيين والتي عانينا من ماسيها طيلة عقود وفقدنا فيها سيادتنا على وطننا العربي بالتجزئة والاستيطان ونهب الخيرات . تلك الخارطة التي خيضت في مواجهتها معارك التحرر والمقاومة ودفعت فيها الامة ضريبة باهضة من الحياة العربية ومن حرية الانسان العربي ومن مقدراته وثرواته كانت ولازالت وبالا على امننا القومي وعلى مستقبلنا العربي .تلك الخارطة التي دافع عنها الاستعماروحلفائه الصهاينة بابشع حروبه علينا و مارس علينا ابشع الجرائم ضد الانسانية وافرغ في شعوبنا كل نزوات الحقد والجلد والقهر وانتهك ارضنا وحرماتنا وسبا واغتصب ونهب عقودا طويلة من العدوان المتواصل تلك الخارطة لم تعد كافية للحفاظ على مصالحه بعد ان اصبحت الكيانات التقليدية القطرية والاقليمية عاجزة عن التحكم في المستقبل العربي وبدات تفشل في مهمتها المناطة بعهدتها مصلحة الاستعمار والصهيونية مقابل السلطة والحكم فكان على الغزاة ان يعيدوا تحيين سايكس بيكو وتجديدها من غير الطريق التي رسمت بها ملامح الخارطة القديمة في ظل الغزو الاستعماري القديم لقطع الطريق امام المطالب الجديدة للانسان العربي في ان يعيش الحرية والكرامة والعدل والمواطنة والمدنية اسوة ببقية المجتمعات الحديثة فكان الاشتغال على الفتنة ايسر الطرق لاعادة توزيع القوة السياسية والمجال الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة.من هذه الطريق حقق هدفين اساسيين من اهداف الشرق الاوسط الجديد
الهدف الأول- رسم خارطة سايكس بيكو جديدة =ان رسم خارطة جديدة تكون “مقنعة” لشعوب المنطقة من اوليات الهجمة الاستعمارية الجديدة بعد ان فقدت الخارطة القديمة خارطة القطرية والإقليمية أنصارها تماما واصبح حراسها عاجزين على التحكم في طموح المجتمع للتخلص من اثار هذه الخارطة والتصدي للمستفيدين منها الغزاة والصهاينة واعوانهما في المنطقة واصبحت تلك الكيانات الفاشلة عاجزة حتى عن حماية نفسها ضد دعوات التمرد على مشيئة الاعداء .هذه الخارطة الجديدة لا يمكن ان تفرض بعدوان مباشر خارجي لاعتبارات دولية ولتعقيدات القانون الدولي الذي يحد من الجموح الاستعماري القديم ولو نسبيا .وكل عدوان استعماري مباشر وتحت اية ذريعة يجد نفسه محاصرا براي عام معارض وبحراك انساني حقوقي وبضغط عال من الجمعيات الحقوقية والاجتماعية التي تشكلت بالاساس لتضييق الخناق على النزعات الاستعمارية والاعتداءات على الشعوب .لذلك تجندت الاجهزة الاستعمارية واستخبارات الاعداء في ايقاظ النعرات الطائفية والانفصالية لايقاد الفتنة التي على اساسها ستتشكل الخارطة الجديدة لسايكس بيكو وتدحرجت الكيانات القديمة للاقليمية والقطرية وتهالكت لتنمو في ارضها النزعات ما دون الدولة القطرية وتعالت اصوات الطائفة والقبيلة و الاقليم وتعالت الاصوات المذهبية وحتى الدينية بطريقة دموية تحت عناوين غاية في الدموقراطية والانسانية وفر لها الاستعمار واعوانه وحلفائه الصهاينة كل ظروف النجاح السريع .وفقدت تلك الدول شرعيتها عند دعاة المذهبية والطائفية ليحل الاعتداد بالطائفة والقتال من اجل انفصالها محل الدولة بل تدحرج الامر الى السعي المحموم للاجهاز عليها والحلول محلها بالاستعانة بكل القوى التي من مصلحتها إعادة رسم الجغرافيا السياسية العربية على اسس جديدة ضامنة لقيام كيانات صغيرة وضعيفة عاجزة ان تقوم بنفسها فتستظل بظل الاستعمار وما يوفره من وسائل الدفاع عن كياناتها الطائفية وشاعت الفتنة الطائفية في كل جغرافية المنطقة. ولعل اخطر هذه الفتن الفتنة المذهبية التي لها جذور قديمة في الاقتتال بين المذاهب وراكمت كثيرا الحقد المتبادل فكان المنتمون الى الاسلام صيدا سهلا للايقاع بشرائح واسعة داخل طاحونة الاقتتال الطائفي البشع والمأساوي. واستطاع الاستعمار ان يستعين بالمنظومة التكفيرية المتفرعة عن القاعدة والمتحالفة مع الاخوان وان يعقد صفقات مع التنظيم الاخواني العالمي وان يجنده مقابل مصالحة وهمية ليكونوا جميعا الوقود السريع لاشعال نار الفتنة لانهم الاقدر على القيام بهذا الدور لطبيعة تفكيرهم المغالي والتكفيري ولنزعاتهم التاريخية للانتقام من خصوهم الذين حرموهم من الوصول الى الحكم خاصة في مصر وسوريا والعراق والجزائر .استطاعوا ان ينفذوا ذلك بخوض حروب الفتنة لمدة عقدين بالجزائر ثم تحت مظلة الاستعمار سعوا الى الانقضاض على الحكم بالعراق والان يخوضون اقذر حرب وكالة بعناوين الفتنة الطائفية والتكفيرية بسوريا ويوقدون نارها بمصر تداخل فيها الطائفي والمذهبي.تلك هي طبيعة الخارطة الجديدة لسايكس بيكو ترسم في غرف الغزاة والصهاينة وتنفذ باياد واموال عربية .
الهدف الثاني-الايقاع بالجيوش العربية= ربما لن نختلف كثيرا في تقييم درجة أداء الجيوش العربية تاريخيا الذي مر بفترات ضعف كما مر بفترات قوة في تاريخ صراعنا ضد اعداء الامة العربية من غزاة وصهاينة . فقد خاضت هذه الجيوش معارك التحرر من الاستعمار القديم والحقت الوية جيش التحرير الجزائري والوية القوات المسلحة بسوريا ومصر وغيرهما خسائر فادحة خلال معارك تحرير الاوطان من الغزاة الاوروبيين .واستطاعت هذه الجيوش التي نشات في ظل مقاومة الاستعمار ان تفرض على فرنسا وانجلترا وايطاليا الانسحاب وتمكنت من ان تكون صمام امان للدفاع عن الاوطان بدرجات من الاداء والتجهيز المتفاوت بين الاقطار العربية .هذه الجيوش ذاتها كانت الخط الامامي في المواجهة المباشرة مع الحليف الاستعماري الحركة الصهيونية والتها الحربية المدعومة من الغزاة القدامى وحليفهم الاستراتيجي الولايات المتحدة الامريكية الامبراطورية الاستعمارية الصاعدة انذاك رغم النتائج الضعيفة والنكسات غير المنكورة حتى من الذين خاضوا هذه الحروب او قادوها مثل حرب 67 ورغم ايضا انصاف الانتصار 73 مثلا والذي اثبت فيه الجيش النظامي العربي انه بامكانه الانتصار على الاعداء مهما تحالفوا ومهما كانت قوتهم وان يكسر وتيرة التفوق التقليدية ويدق ناقوس الخطر في غرف الحلفاء كما استطاعت بشبه الانتصار ان تعيد الامل في الحاق الهزيمة بالعدو. فالعرب تاريخيا لم يخوضوا حروبا شعبية ضد الحلف المعادي بل خاضوا في الغالب حروبا نظامية كانت القوات المسلحة وقودا لها و دفع فيها الجندي العربي ثمنا باهضا وهو يتصدى لحروب عدوانية طاحنة سواء في معارك التحرير او في مواجهة الصهاينة . لذلك ستظل هذه الجيوش مصدر ازعاج للاعداء وكابوسا مخيفا يفقد الصهاينة والمستعمرين الثقة في استمرار الهيمنة .فهذه الجيوش العربية التي خاضت ملاحم تاريخية في فداء الاوطان وسجلت تاريخا طويلا من المنازلات الدورية ففي كل مرة تندلع المعارك مع الامة العربية يجدون هذه الجيوش في ميادين المنازلة بنفس العزيمة وبنفس الروح الوطنية المقاومة لمشاريع الاستعمار .هذا التخوف الكبير من الجيوش ازداد في العقودالاخيرة اثر محاولات التحديث التي عرفتها القوات المسلحة خاصة في الاقطار التي خاضت معارك تحرير مضنية وتاريخية سواء بالغرب العربي مثل الجزائر او بالشرق العربي مثل دول المواجهة مصر وسوريا او الدول التي خاضت حروب اقليمية حدودية مثل العراق .وبعد الانتصارات الجزئية التي حققها العرب في الحروب الاقليمية التي خاضها بعض العرب بجيوش حديثة ومجهزة بتقنيات متطورة مثل العراق في حربه الاقليمية مع ايران او في حروب الاستنزاف في مواجهة العدو الصهيوني اخيرا بقوات غير نظامية متطورة ومجهزة معركة تموز 2006 بجنوب لبنان ظهر نوع من اختلال التوازن في الميزان العسكري لمصلحة الأمة و اكتشف الأعداء أن الأساطير التقليدية حول جيوشهم التي لا تقهر أو حول عتادهم الذي لا يضاهى في الحداثة بات من الماضي واكتشف أيضا أن هذه الجيوش الضعيفة التي كانت في الغالب مهزومة في معارك المواجهة في تاريخنا الحديث أصبح بإمكانها أن تكون مؤهلة تقنيا وتنظيميا وعقائديا لخوض معارك مشرفة قادرة أن تلحق خسائر إستراتيجية تهدد المشروع الاستعماري الصهيوني برمته في المنطقة .ومن الجيوش الأساسية التي أربكت حسابات الأعداء و دعتهم إلى إعادة النظر في كيفية معالجة المخاطر التي يمكن أن تمثلها على مصالحه إذا أحسن العرب استغلالها أو إذا ظهر فيهم من يعمل على كسر تفوق الأعداء والانتصار للمصالح الوطنية والقومية الجيوش الكبرى والتاريخية منها جيش التحرير الجزائري والجيشين العربيين في العراق وسوريا والقوات المسلحة المصرية.وهي جيوش وجدناها غالبا متحالفة في فترات اشتداد الصراع سواء في مواجهة المحتل القديم أو في مواجهة مخططات الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين.
لهذه المخاطر التي تلوح امام مستقبل الصراع العربي الصهيوني والصراع العربي الاستعماري والتي يمكن ان تمثل مازقا للاعداء في المستقبل المنظور او في المستوى الاستراتيجي المخاطر الناجمة عن استعداد افضل للجيوش العربية لمنازلة الاعداء عسكريا وكسر تفوقهم التقليدي سعت القوى الاستعمارية واستخباراتها الى البحث عن طريقة لاضعاف بنيتها اوتهديمها ان لزم الامر.ولكون الغزو التقليدي للاوطان واخضاع الشعوب لارادة الاستعمار بقوة الاجتياح العسكري اصبح مكلفا جدا وغير مضمون العواقب كما اصبح مرفوضا من قبل المنظومات الحقوقية والقانونية الدولية ومن قبل الجمعيات المناهضة لكل اشكال الاستعمار والاعتداء على الشعوب و نشأت بغرض ذلك حركات دولية ناشطة في مجال مقاومة النزعات الاستعمارية لذلك تغيرت الاستراتيجية الاستعمارية من الاعتداء من الخارج الى الاستعانة بوكلاء من الداخل لتحقيق اهداف تدمير عناصر القوة في هذه الدول ليسهل الانقضاض عليها وتطويعها لمصالحه .ومن اهم عناصر القوة في هذه الدول المقلقة في كل الظروف للمستعمر وحلفائه الصهاينة هذه الجيوش التي يمكن ان تعود في كل لحظة الى حلبة الصراع لمنازلة جيوش الاعداء. لذلك لابد من مصيدة محكمة للايقاع بها في حروب حقيقية داخلية ولن يجدوا افضل من الفتنة الطائفية لانجاز هذه المهمة والاجهاز على قدراتها وتدميرها لمصلحة العدو فتم تدمير العراق بدعوى الدفاع عن حقوق الانسان والحريات العامة واستنهضوا للقيام بدور الوكيل الحربي النزعات الطائفية المذهبية والنزعات الانفصالية لتشريع العدوان العسكري عليه وكان المطلب الاساسي للغزاة ووكلائهم الطائفيين من مروجي الفتنة والقتل حل الجيش العراقي مصدر مناعة العراق وقوته.وحصل ان استغرق جيش التحرير الجزائري في حرب داخلية كادت تتحول الى حرب اهلية في مواجهة الفتنة الطائفية التكفيرية طيلة اكثر من عقدين عرفنا خلالها خسائر فادحة وجر خلالها الجيش الى مستنقع مواجهة حروب الفتنة التي انهكته وكان القصد من ذلك اضعافه وتفكيك مصادر قوته لتسهل السيطرة على الجزائر خاصة لما تعنيه من مخاطر تقليدية على اطماع المستعمرين ولقرب القوات المسلحة الجزائرية من معارك المواجهة مع العدو الصهيوني تاريخيا .ثم نجد نفسنا اليوم امام مخطط جهنمي عدواني يجر الجيش العربي السوري الى ذات المصيدة الطائفية للانقضاض عليه وتدمير قوته التي اصبحت ظاهرة تقنيا وتنظيميا وعقائديا خاصة وان العدو يدرك العلاقة التاريخية بين الجيش السوري ومقاومة المحتل الصهيوني في كل معارك تاريخنا الحديث .ثم ان هذا الجيش كان سندا اساسيا دعم التفوق النسبي للمقاومة في جنوب لبنان من حيث التقنيات او التنظيم او القدرات القتالية وكيفية التحكم في ادارة المعارك وقد نجح في كسر مقولة التفوق العسكري الصهيوني في المنطقة ونجح في تقليم اظافر الصهاينة فلم تعد لهم تلك اليد المطلقة في معاقبة كل من يقف في وجه مخططاتها الاستيطانية والتوسعية .لذلك كان لزاما تحريك التنظيمات التكفيرية ومشتقات الحركة الاخوانية المهياة جدا للقيام بهذا الدور على احسن وجه والمستعدة دائما وتاريخيا للانخراط مع الاستخبارات في سبيل تحقيق الطموحات القديمة في الوصول الى السلطة . تمكن الغزاة من تحريك التنظيم الاخواني الدولي ليمثل الغطاء السياسي الذي يفتح المجال امام التنظيمات الارهابية التكفيرية لتمارس نشاطها العدواني التكفيري بكل حرية ولتمارس التجنيد والتحريض على الانقضاض على هذه الجيوش(مصر وتونس اساسا) ويتم دعمها بشكل معلن من الاستخبارات الغربية والامريكية عسكريا و اعلاميا ودعمها بالفتاوى والمال من دول الخليج الراعية للتنظيمات التكفيرية للقيام بدور الوكيل عن الاستعمار والعمل على تدمير القدرات العسكرية للجيش السوري واغراقه في حرب القضاء على الفتنة لاستنزافه في قتال داخلي يصبح فيه ذاك الجيش طرفا في معادلة الصراع الطائفي كي يسهل الانقضاض على قوة سوريا ومناعتها ولتكون مجالا سهلا لتنفيذ خارطة سايكس-بيكو الجديدة واعادة تقسيم المنطقة على اسس اثنية طائفية وعرقية على انقاض الجيش السوري رمز الوحدة والمناعة الوطنيتين.وتحت عنوان اخونة الدولة المصرية هاجس التنظيم الاخواني الدولي ومركزه مصر سعى الاستعمار وفق الخطة “ا” الى فك الارتباط بين القوات المسلحة المصرية والشعب المصري والنظام العام في مصر بحجة الدمقرطة والدولة المدنية طبعا وفق اشتراطات امريكية تقلم اظافر الجيش المصري ثم في مرحلة ثانية بعد 30 يونيو وبعد فشل الخطة الاولى وانقضاض الشعب والجيش على الحلم الاخواني في تحقيق اهداف الحلفاء الاستعماريين بدا تنفيذ الخطة “ب” ضد القوات المسلحة المصرية وبدا جرها الى ذات المستنقع الذي يجرون اليه الجيش السوري وهو مصيدة الفتنة. لقد أرادوا بذلك ان يجروه الى مواجهة التنظيمات التكفيرية وعلى راسها التنظيمات المسلحة الارهابية في سيناء المتولدة عن تنظيم القاعدة والذي تشرف عليه وتلرعاه التنظيمات الاخوانية والاستخبارات الاجنبية .كما ارادت الحركة الاخوانية في مصر ان تحول مصر الى قاعدة متقدمة للحروب الطائفية والمذهبية وكذلك على خلفية الصراعات الدينية للتحريض على خوض الحروب باسم الطائفة في سوريا اساسا واعلنت من منابر قياداتها السياسية والدينية تجنيد الانصار تحت عنوان “الطائفة أولا” للقيام بدور الوكيل الحربي عن الاستعمار في مواجهة الجيش السوري كما اعلنت الطائفة والجماعة عنوانا لتدمير قوة الجيش العربي في مصر الضامن الاساسي لانحسار الطموح الصهيوني في الاستحواذ على المنطقة واخضاعها لاهداف الحركة الصهيونية العالمية .هذا الجيش الذي يظل رغم كل الانتقادات التي توجه اليه ذلك الجيش الذي لم يتاخر في معارك التحرير في المغرب او المشرق وذلك الجيش الذي خاض حروبا عدة ضد الغزاة وفي مقدمتهم الصهاينة .لن ننسى في ذاكرتنا دور الجيش في حالات النصر والهزيمة وهو يقدم خيرة ما للعرب من تقنيات ومقاتلين ثمنا لمعارك التحرير والمواجهة مع المغتصب لارض فلسطين في حرب 56 وحرب النكسة 67 وحرب الاستنزاف من 67 الى70وحرب العبور 73.
فاذا كانت الذاكرة العربية ضعيفة فان ذاكرة الغزاة تسجل جيدا خطورة هذه الجيوش على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وامن ما يسمى دولة اسرائيل.لذلك ليس غريبا ان يعمل الاستعمار على صناعة التقاطع بين عنوان تخليص شعوب المنطقة من الدكتاتوريات وقمع الهويات وبين التشجيع على الانقضاض على هذه الجيوش وتدميرها و انهاء خطرها الاستراتيجي على اعداء امتنا وطمانة الصهاينة وحماية مشروعم الاستراتيجي في بناء دولة لليهود من الفرات الى النيل وفي التحول الى لاعب مركزي في تقرير السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المنطقة .واقنعت بواسطة الحركات الدينية المتطرفة والتنظيمات الاخوانية بان القضاء على هذه الجيوش وتدمير قوتها هو الضامن لاستعادة حق هذه الطوائف و الاقليات في الانفصال وتقرير المصير ورد الاعتبار للطوائف المقهورة الدينية او المذهبية او العرقية والقبلية حتى تكون طيعة لرسم ملامح الخارطة الجديدة لسايكس بيكو ويتمكن الغزاة من تحيين اتفاقيات كامب ديفد مع كيانات طائفية وكانتونات بديلة عن الدولة القطرية ولا يمكن ان تصنع الا على انقاض تلك الجيوش فاشعلت وقود الفتنة من اجل الاجهاز عليها .وتم ترويض القبائل والمشائخ والطوائف للقبول بطريقة الاستعمار في توزيع القوة السياسية والاقتصادية وفق مبدا فرق تسد وبواسطة لعبة رد الاعتبار للهويات بعد ان نجحت اعلاميا واستخباراتيا في تحريك غرائز الطائفيين وقادة الحرب على الهوية .تلك لعبة الاستعمار في العودة الى المنطقة وانجاح مشروع الشرق الاوسط الجديد وبطرق جديدة اساسها تجنيد الطائفية لاصطياد الجيوش وانهاء دورها وخطرها ورسم الخارطة الجديدة للاستعمار في المنطقة وتحويل اهداف النضال العربي من العمل من اجل الاتحاد الى الاستغراق في الحفاظ على وحدة الدولة القطرية تحت شعار اخف الضررين.
بقلم محمد علي سليمان
متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق