وفاه الشاعر محمد عفيفي مطر احد اهم رموز الشعرمن جيل الستينات
وبرحيله ودع جيل الستينيات المصري أحد ابرز رموزه وقاماته الشعرية الفارعة التي أثرت كثيرا في الاجيال الشعرية المصرية اللاحقة، كما امتازت بمساحة حضورها الواسعة في المشهد الشعري العربي رغم حياة العزلة والتقشف التي عاشها.
وجاء تشييع جنازة الشاعر في قرية “رملة الانجب” بمحافظة المنوفية في مصر وسط حشد من الاصدقاء وحضور جماهيري كبير ليختتم حياة ممتلئة بالشعر والجمال والسياسة والالتزام عاشها وضمتها هذه القرية الريفية الهادئة التي اختارها الشاعر مكانا لعزلته ومثوى له بعد ان اشترى قطعة ارض فيها بنى فيها مقبرة ليدفن فيها.
“شهادة البكاء في زمن الضحك”
ولد محمد عفيفي مطر في هذه القرية عام 1935 ودرس الفلسفة في كلية الآداب وعمل مدرسا في مصر، وأبدى منذ وقت مبكر مواقف معارضة للنظام الساسي في مصر وقد اغلقت السلطات مجلة السنابل المساندة للحركة الطلابية المصرية التي كان يرأس تحريرها.
ومع التحول الكبير الذي شهدته مصر بعد عبد الناصر، وقف مطر في صف المثقفين المعارضين للرئيس السابق أنور السادات، والذين اضطر الكثير منهم للهجرة الى الخارج ليعيشوا في دول عربية اخرى في اواخر السبعينيات.
انتقل مطر للعيش في العراق، وقد اندمج بشكل كبير في الحياة الثقافية العراقية التي عرفت بخصوبة تجربتها الشعرية واجيالها الشعرية المتعددة ، وقد خاض محمد عفيفي مطر حوارا ادبيا مثمرا مع المثقفين العراقيين الذين احتفوا كثيرا بمنجزه الشعري.
سبقت شهرة عفيفي المطر العربية شهرته في بلده، الذي عرف بنهجه المعارض فيه، وقد نشرت معظم دواوينه الاولى خارج مصر في بيروت او بغداد او دمشق وطرابلس الغرب.
ومن هذه الدواوين “من دفتر الصمت” الذي صدر في دمشق العام 1968 و”ملامح من الوجه الامبادوقليسي” ( بيروت 1969) و”الجوع والقمر” (دمشق 1972) و”كتاب الارض والدم” (بغداد 1972) و”شهادة البكاء في زمن الضحك” (بيروت 1973) و”النهر يلبس الاقنعة” (بغداد 1975).
“رملة الانجب”
تقديراً لجهد إبداعي امتد قرابة أربعة عقود تمثل في تجربة شعرية أصيلة متنامية تستند إلى التراث الشعري العربي، قديمه وحديثه ، والشعر العالمي بمجمله، والموروث الشعبي والمعرفة الفلسفية، وتأمل الواقع الراهن والإلتزام بقضاياه مما أتاح له تطوراً مفتوحاً متجدداً
بيان لجنة تحكيم جائزة العويس عند منحها لمحمد عفيفي مطر
وبعد عودته الى مصر ترك مطر عمله السابق في مجال التعليم ولجأ الى عزلة ريفية في قريته “رملة الانجب” مختارا العودة الى زراعة ارضه في قريته ومواصلا في الوقت نفسه نظم الشعر والنثر والترجمة.
وعلى الرغم من هذه الحياة الريفية واصرار محمد عفيفي مطر على استخدام رموزها كما هي الحال مع صورته الاثيرة بالجلابية المصرية، بدت قصيدته مزدحمة برموزها الحداثية، وحملت الكثير من التأملات الفلسفية والفكرية ، كما امتازت باستثمارها لمفردات صوفية واسطورية ونهلها من مرجعيات في التراث العربي الاسلامي والتراث المصري القديم .
واصل محمد عفيفي مطر مواقفه المعارضة للنظام السياسي في مصر، وقد اعتقل إثر مشاركته في تظاهرة معارضة لموقف الحكومة المصرية من الحرب على العراق.
ويعد محمد عفيفي مطر تجربة الاعتقال هذه من اقسى التجارب في حياته، تحدث بعدها كيف تم تعذيبه في السجن بعد اتهامه بالانتماء الى تنظيم سياسي موال للعراق. وقد عكس هذه التجربة في واحد من اجمل دواوينه الذي حمل عنوان “احتفاليات المومياء المتوحشة”، الذي ضم عددا من قصائده الشهيرة مثل “هلاوس ليلة ضمأ” وقصيدة “طقوس متبادلة” التي ظلت تتداول بوصفها صرخة وثقت بشاعة التعذيب الذي تمارسه السلطات الامنية.
جوائز
توج شعر محمد عفيفي مطر بالعديد من الجوائز المحلية والعربية والعالمية اذ حاز على جائزة الشاعر اليوناني الشهير كفافي، الى جانب جائزة من جامعة اركنسو الاميركية وجائزة المؤسسة العالمية للشعر في روتردام الهولندية.
ومن ابرز الجوائز التي نالها عربيا جائزة العويس الاماراتية التي جاء في بيان لجنة تحكيمها : “تمنح الجائزة للشاعر محمد عفيفي مطر تقديراً لجهد إبداعي امتد قرابة أربعة عقود تمثل في تجربة شعرية أصيلة متنامية تستند إلى التراث الشعري العربي، قديمه وحديثه ، والشعر العالمي بمجمله، والموروث الشعبي والمعرفة الفلسفية، وتأمل الواقع الراهن والإلتزام بقضاياه مما أتاح له تطوراً مفتوحاً متجدداً ولعل المقارنة بين ديوانه “النهر يلبس الأقنعة” الذي ظهر قبل ربع قرن ودواوين أخرى ظهرت عقب ذلك، منها “أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت” و “رباعية الفرح” تكشف عن مدى الجهد الشعري الخلاق المتطور الذي يجمع بين الجمالي والمعرفي، السياسي والصوفي، الملموس والرمزي”.
اما على الصعيد المصري المحلي ففاز بجائزتي الدولة التشجيعية عام 1989 وجائزة الدولة التقديرية عام 2006 وجائزة طه حسين من جامعة المينا في مصر وجوائز اخرى.
ولم يقتصر نشاط مطر على الشعر بل كانت له مساهماته النثرية منها “شروخ في مرآة الاسلاف” و”محمود سامي البارودي (دراسة ومختارات)” و”اوائل زيارات الدهشة” الى جانب قصص للاطفال بعنوان “مسامرات الاولاد كي لا يناموا”.
كما قدم اعمالا في الترجمة الشعرية كما هي الحال مع ترجمة الاعمال الكاملة للشاعرة السويدية اديث سودر غران مع عدد من المترجمين الاخرين وكذلك مختارات من شعر الشاعر اليوناني ايليتيس وتراجم اخرى.
كتب الشاعر محمد الفيتوري يصف محمد عفيفي مطر قائلا :” يأخذ الكتاب بقوة ، يأخذ الشعر بقوة ، يأخذ الحياة بقوة ؛ لا مكان لأي تنازل وإن كان مكان لضعف إنساني ؛ لحظة حب ، إحساس بضعف خصم فعفو عند مقدرة . وكذا ترك القصيدة حتى تطيب فإن الطزاجة والجدة والجدية صرامة الحكم ونقيضها الخصم”.
المصدر :وكالات