منتدي أوراق عربيةمواهب علي الطريق

وحيدة بين الزحام لــ شيماء صلاح

وحيدة بين الزحام

قصة من عدة فصول

الفصل الثالث

لعبة القدر

————————-

” أكتر حاجة توجع في لحظة الفراق ….   حبيبك تلمحه

ودموعه رافضة تطلع وكأنه حالا فاق…. على ايد بتدبحه

وكأن ده عادي … لأ..وأقل كمان من العادي

والوقت ده كله في عمر الواحد راح على الفاضي “

—————————————–

       هو….

—————-

لم تكن ليلة عاطف بأحسن حالا من ليلتها فقد قضي الليل كله وهو يفكر فيما فعل ؟ وكيف سيكون رد فعلها علي ما فعله . ولكن ما كان يشغله فعلا هو طبيعة المأزق الذي قد وضع نفسه فيه , بل الذي وضعه قلبه فيه

فهو لا يحبها فحسب بل يهواها يعشقها . يحبها ويحب تفاصيلها , يحبها وهي تضحك تلك الضحكة البريئة المرحة ويحبها حين تتمسك برأيها وتعند كالأطفال , يحب غضبها وزمجرة صوتها حين يثيرها, يحب طفولتها المرحة وأنوثتها الفاتنة

يحبها وهي تمسك فنجان النسكافيه بكلتا يديها وكأنه سيهرب منها , يحبها حين يغمرها الخجل عندما ينظر لعينيها

يحب كل ما فيها ويري فيها صورة المرأة الكاملة التي لو ظل يحلم بها لمائة عام ما وجدها بهذا الكمال

لم يشعر بهذا الشعور من قبل , لم يشعر بتلك الغصة في صدره من قبل . هي بالنسبة إليه ليست مجرد فتاه ولا مجرد حب ,

بل هي حبه الأول….

        والأوحد…….

.         والأخير..

لم يعكر صفو تلك المشاعر المتأججة سوي إحساسه بالعجز المريع , هي من أسرة ميسورة جدا من أصل عريق وبالطبع والدها سيتمسك بالأعراف والأصول

وهو مايزال طالبا لم يحصل علي عمل بعد , فماذا يفعل حتى وان كان لديه شقه صغيرة فهي تقطن في فيلا فاخرة

ماذا يفعل أيذهب لوالدها ليقول له أريد ان اخطب ابنتك وليس لدي ثمن الشبكة , لدي شقة ولا املك ان أجهزها , أريد ان أتزوج ابنتك وليس لدي عمل كي أتكفل بها

ماذا يفعل . ليس الأمر بسيطا

حتى وان وافق والدها كيف له ان يرضي لحبيبته ان تحيا بهذا الشكل , كيف له ان يعذبها معه وهي تستحق ان تتزوج أفضل منه مئات المرات , هو لا شئ …. لاشئ أما هي فهي تستحق شخص يمنحها كل شئ

لم يفكر في كل هذا عندما أحبها , بل انه لم يستطع ان يفكر فحبها تسلل إلي قلبه دون استئذان , لم يكن يملك ان يفكر بل كان ينتهل من ذلك النبع الصافي ” نبع حبها ” دونما توقف ودونما تفكير

ولكنه الآن يجب ان يتمهل ويفكر , فهي تعلن عن حبها له في كل نظرة وفي كل كلمة وتنتظر منه المثل , تنتظر ان يخبرها بحبه لها

عيناها تقتحمه بنظراتها له, تحاصره بكلماتها . تعلن له عن حبها في كل لفته ولكنه لا يستطع ان يفعل المثل عليه ان يفكر فيما يفعل

كانت ليله طويلة لم ينم فيها ولو للحظة واحدة , لم يكن يفكر سوي فيها وفي مستقبلهما معا

وفي النهاية قرر ان يخبرها , ان يطلعها علي الأمر يخبرها بحبه وبرغبته في ان تذهب لمن يستحقها , ويترك لها القرار أيا كان

*************************************************

صباح مزخم

——————

“صباح الخير”

كانت تلك أمل تلقي بتحية الصباح لعبير التي بادرتها بالرد عليها

عبير :” صباح الـ …”

قطعت كلماتها بغتة عندما التفتت لأمل , ففي الأمس أمل انصرفت مندفعة غاضبة أما اليوم فأمل كانت شيئا أخر كان وجهها مضيئا  وابتسامتها مشرقة , كانت متأنقة بكامل حلتها وعيناها تلمع ببريق جميل فهي بعد ان توصلت لقرارها أمس انجرفت بكل مشاعرها لحبها القادم وقررت ان تحيا وتسعد وتنتظر حتى يأتي ويخبرها بحبه فهي تعلم انه سيأتي وانه سيتحدث إليها

عبير: ما كل هذا ؟ ما حدث منذ أمس ؟

أمل : لا شئ فقط اتضحت لي بعض الأمور التي لم أكن أراها

عبير : مثل ؟

أمل بمرح : لا تكوني لحوحة وانتظري حتى اخ….

قطعت عبارتها بغتة عندما شاهدت عاطف وهي يدلف للقاعة

كان عاطف ولكنه ليس عاطف

كان متجهم الوجه عابس , وقد نبتت بعض الشعيرات علي ذقنه وهو يرتدي نفس ملابس البارحة. دون حتى ان يكلف نفسه عبء ان يهندمها قليلا

“ماذا حدث ؟”

هكذا هتفت أمل مخاطبة عاطف حين رايته

عاطف : ماذا ؟ ماذا؟

أمل : “لاشئ ولكنك تبدو ؟” صمتت برهة فهي لا تدري ما الكلمة المناسبة لحالته تلك ثم أردفت : تبدو منهك وكأنك كنت تركض منذ أمس ولم تنم

عاطف : نعم كنت اركض ولكن منذ قرابة ثلاثة أشهر ليس منذ أمس

أمل : أنا لا أفهمك ؟ ما الأمر؟

عاطف : لا شئ ولكننا يجب ان نتحدث سويا اليوم هناك أمر ما أريد ان أخبرك به

أمل : إذن تكلم ما الأمر؟

عاطف : ليس الآن . سأخبرك في وقت الراحة

ثم اخذ في تصفح كتابه دون ان يعيرها اهتمام كان يريد ان يتجنب النظر لعينيها حتى يستطيع ان يستجمع شجاعته ويخبرها بما يريد

ظلا علي هذا الحال قرابة ساعتين مما أثار حنقها فهو لم يعلق علي ملابسها ولا علي تزينها بل أيضا انه لا يلتفت إليها ولا يساعدها في المحاضرات كالمعتاد . والاسخف – كما كانت تفكر- انه كان يقوم بعمل التدريبات العملية وحدة وعلي جهازه وهو أمر لم يعتاداه منذ ان دخلا للمعهد فلطالما كانا معا,

أمل : عاطف ماذا بك

عاطف دون ان يلتفت لها : لا شئ أنا متعب قليلا

أمل وقد خفضت صوتها وكأنما تتوسل إليه : عاطف هل أنت غاضب مني لما حدث أمس؟

عاطف وهو يحاول ان يتماسك: كلا أنا قد نسيت ما حدث أمس أنا فقط متعب

أمل : ولكنك

قاطعها ببرود: أنا سأذهب لشراء العصير من الخارج أتودين شئ ؟

أمل: ألن تنتظر حتى وقت الراحة

عاطف بجزم: كلا

وانصرف مهرولا

كان يريد ان يبتعد قدر الإمكان عن نظراتها وعن إلحاحها , كانت عيناها تقتله كان يريد ان يبتعد ان يخرج للهواء الطلق عسي ان يستطيع ان يتنفس ويزيح ذلك الحمل عن كاهله

ظل يمشي بجوار المعهد ولم ينتبه للوقت إلا عندما سمع آذان الظهر في احد المساجد. كان يعلم ان هذا معناه بدأ الراحة في المعهد ويعلم ان أمل تنتظره الآن ليتحدث معها كما اخبرها هو

ولكنه لم يجد في نفسه الشجاعة الكافية لينظر لعينيها ويخبرها انه لا يريدها ان تنتظره

. فان نظر إليها لن يخبرها سوي بأمر واحد . لن يخبرها سوي انه يحبها . يهواها

ويا ليته فعل

دخل المسجد ليصلي حين سمع هاتفه النقال يرن , كانت هي لم يكن يدري ماذا يفعل وماذا يخبرها فلم يجيب . فقط وضعه علي الوضع الصامت ودخل المسجد  وبقي فيه حتى بعد انتهاء الصلاة بعشر دقائق حتى يضمن انه حين يعود ستكون الدراسة بدأت ولا تتسني الفرصة ليتحدثا

*************************************************

منذ ان انصرف عاطف وهي تحاول ان تفهم ما يجري ولكن دون جدوى مرت الدقائق بطيئة مثقلة بالهموم حتى سمعت آذان الظهر انتظرت ان يأتي ولكنه لم يفعل

عبير : ألن تأتي للصلاة يا أمل؟

أمل: ولكن عاطف قال انه يريد ان يتحدث معي

عبير : وأين هو عاطف ؟انه ليس هنا

انفجرت أمل في عبير لم تكن تتحمل المزيد من النصائح بل انها كانت تريد فقط ان تنفجر في احدهم: وما يعنيكي أنتي إذا كان هنا أم لا, منذ ان دخلنا المعهد وأنتي تفرضي علي وصايتك , ماذا تريدين ؟ تريديني ان أتحدث معك فقط . هذا لن يكون , أنا من حقي أصادق من أريد وقتما أريد وليس لكي الحق كي تحاكميني أو تفرضي علي ما يجب ان افعله

أسمعتي ؟

كانت عبير تنظر إليها بدهشة شديدة وقد ألجمت المفاجأة لسانها ولم تفق إلا حين أتي مصطفي وقد سمع صوت أمل

مصطفي : ماذا؟ ما الأمر ؟

أمل: وما يعينك أنت؟

انصرفت مهرولة عسي ان يري احدهم دموعها الملتهبة وهي تتحداها وتغطي وجنتيها

لم تكن تدري إلي أين تذهب ظلت تمشي في الشوارع كالتائهة ثم امسكت بهاتفها النقال واتصلت به ولكنه لم يجيب .. لم يجيب

كان ما يؤرقها هو انها لا تفهم ما يحدث , لو كانت تعلم ما يحث لارتاحت أو هكذا ظنت

لم تكن تدري ماذا تفعل كانت تريد أن تتحدث مع أي شخص ,كانت تريد ان تصب ما بداخلها من حيرة والم , امسكت الهاتف مرة أخري

أمل : هويدا أين  أنتي؟

هويدا : أنا في الجامعة كما تعلمين ماذا  هناك ؟

ارتبكت أمل بماذا تخبرها لم يكن هناك  ما تتحدث عنه فهي لا تعلم ما يحدث فبماذا تخبرها

هويدا : أمل , أمل  ماذا هناك ؟

أمل: لا شئ

هويدا : ولكن نبرة صوتك غير مريحة

أمل : لا شئ سأقص لكي عندما أعود للمنزل مع السلامة

هويدا : حسنا مع السلامة, أمل انتظري اعتني بنفسك

أمل : حسنا مع السلامة

ثم أغلقت الخط

كانت هويدا أخت أمل الصغرى , ولكنها لم تكن مجرد أخت فهي صديقتها المقربة التي لا تخفي عنها شيئا, ورغم فرق السن البسيط الذي بينهما الذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة إلا ان أمل لطالما شعرت بان هويدا ابنتها وليست أختها , فهي من علمتها كل شئ . وهويدا أصبحت نسخة مصغرة تقريبية لأمل

وهذا ما جعل أمل تتراجع , فبماذا ستخبرها , هل تقول لها انه يتجاهلها , أتقول لها ان كل هذا الانهيار فقط لانه تجاهلها لساعة , شعرت أمل بالضعف والخزي , لانها قد أعطت الموضوع فوق حجمه

عادت للمعهد وهي تحاول ان تجد الكلمات المناسبة لتعتذر لعبير ومصطفي إلي ان وصلت للمعهد , كان الدراسة قد بدأت بالفعل ولكن مصطفي كان مازال بالردهة , وهو ما جعلها تجدها فرصة مناسبة للاعتذار

توجهت إليه مباشرتا وهي تحاول ان ترسم ابتسامة باهتة علي شفتيها

أمل : لماذا لم تدخل للقاعة

مصطفي دون ان يلتفت إليها : انتظر شخص ما

أمل : من؟؟ أري ان الجميع في مقاعدهم

التفت إليها ونظر لها نظرة عتاب طويلة : لا ليس الجميع هناك فتاة اسمها أمل لم تعد لمقعدها

لم تستطع أمل ان تخفي اندهاشها من موقف مصطفي , اهو ينتظرها ؟؟ لما ؟؟ إذا كان عاطف لم يفعلها فعاطف يجلس هادئ في مقعده وكأن أمر غيابها لا يهم

مصطفي : ماذا؟ لما كل هذا التفكير؟

أمل: أ تنتظرني؟ لما؟

مصطفي : لاشئ فقد رأيتك غاضبة فأردت ان اطمئن عليك ليس إلا

أمل : اشكرا علي هذا الاهتمام والآن هل تقبل اعتذاري

مصطفي: بالتأكيد فانا اعلم انك لم تكوني في حالتك الطبيعية

أمل وهي تحاول ان تنهي الحديث : حسنا لندخل للقاعة

مصطفي : بالتاكيد ولكن هل من المكن ان نتحدث سويا فانا أريد ان أخبرك شيئا ما

بالطبع : ماذا هناك

مصطفي : لا ليس الآن هل من الممكن ان نتحدث غدا في وقت الراحة؟

امل : اتفقنا سنتحدث غدا والآن هيا بنا للقاعة فقد تأخرنا كثيرا

كانت أمل تريد ان تقطع المسافة من الردهة للقاعة في خطوة واحدة فهي تتلهف لتري وجه عاطف وتعرف ماذا يحدث

دخلت للقاعة . جلست في مقعدها . نظرت إليه لتستشف أي شئ من وجهه. لكن لاشئ

وجهه بارد صامت خالي من أي تعبير

التفت لعبير واعتذرت إليها وانهمكتا في حديث عتاب طويل

حديث إنما أرادت أمل به ان تتماسك وتهدا حتى تستطيع ان تفهم مايجري حولها

ويا ليتها استطاعت

*************************************************

عاد عاطف للقاعة ولكنها لم تكن هناك . جلس بهدوء والقلق يعتصر قلبه ولكنه قرر ألا يعلقها به أكثر لذا فلن يتصل بها سينتظر حتى تأتي

لم يكن يركز في المحاضرة ولا في قراره كل ما كان يفكر فيه وقتها أين هي ولما تأخرت

ثم رآها وقد أسندت ظهرها للحائط وتتحدث مع مصطفي

كادت الغيرة تقتله ولكنه تماسك حتى أتت وجلست كان يريد ان يسألها أين كانت ولما تأخرت ولما كانت تتحدث مع هذا مصطفي و……و…………

ولكنه لم يفعل

فقط انتظر لانتهاء اليوم دون ان يتحدث معها ثم انصرف بهدوء دون حتى ان يودعها
فقط انصرف وكانه يهرب منها , بل لقد كان يهرب من نفسه .. من حبه .. ومن حلمه

يتبع  …

 الفصل الأول  

 الفصل الثاني 

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق