جابر القصاص لـ موقع أوراق عربية …. المُحاكمة – قصة مُسلسلة ج 11
الأمر واضح حتى في الظلام، حكايتي لم تنل إعجاب أيٍّ منهم! وجميعهم يشعرون بخيبة أمل، وينظرون إليّ بشيء من الحنق!
أعتقد أنها تستحق جائزة أسوأ حكاية منئ بدء حلقات الديكاميرون الخاصة بنا حتى اليوم!
ظلوا برهة يشخصون إليّ بصمت ممتزج بخيبة الأمل،
قبل أن يتكلم (حمزة) أولًا، قائلًا:-
– “الجواب الوحيد الذي أعرفه: أنك نذل خسيس، تخليت عن صديقك وهو يتعرض للضرب المبرح، ولم تهب لنجدته! لو كان هو جبانًا فأنت أجبن منه بكثير..”
تعالت صيحات التأييد من الباقين، وساهم فيها شعورهم بخيبة الأمل من حكايتي،
مما جعلهم ينتهزون الفرصة لانتقادي على موقفي، وإن كان نقدهم في الأساس يستهدف تلك الحكاية السخيفة التي أضعت وقتهم الثمين في سردها!
أما (الحسيني) فقط ظل ينظر إليّ بصمت نظرة ثابتة نافذة، جعلتني أشعر بالتوتر، قبل أن يقول أخيرًا بصوته العميق:-
– “لقد فعل صديقك (فوزي) ما يفعله أي مناضل وقع في الأسر، لقد عرف أنه لن يستطيع المقاومة،
فشحذ همته لحرمان الخصم من الشعور بلذة الغلبة والانتصار، في مثل هذه الأحوال يحاول الأسرى جاهدين كتمان الصراخ، وإذا تمكنوا من ذلك يشعرون كما لو كانوا هم المنتصرين في هذه الواقعة!”
تبًا لك! كم أكرهه حين يتفلسف! لكني أنا من أعطيته الفرصة على أية حال، وعليّ أن أتحمل فلسفته السخيفة!
لكنه واصل قائلًا:-
– “لا أعرف ما الذي صار إليه صديقك (فوزي) الآن، لكن مثل هذا مكانه الطبيعي السجن، يفترض أن يكون هو معنا هنا لا أنت!”
لم أفهم قصده بالضبط، لكني حتى لم أحاول السؤال،
وانتظرت نهاية السهرة كي أنهض إلى فراشي وأستلقي حتى الصباح.. إلا أنني لم أستطع النوم على الإطلاق!
في السجن عادة تكون الأيام الأولى هي الأصعب، والأسوأ نومًا، بعد ذلك يسترخي جسدك ويصبح النوم بمجرد أن تضع رأسك على الوسادة هو الوضع الطبيعي، لكن شيئًا ما أطاح بالنوم عن عيني الليلة،
وإن كنت لا أدري ما هذا الشيء بالتحديد، لكني وجدت نفسي أعود لما كنت عليه في الأيام الأولى، حيث أتقلب بلا هوادة، وأنا أستجدي النوم استجداء بلا أمل، بينما أسمع غطيط الآخرين يتردد دون توقف!
كان (الحسيني) في السرير الذي يعلوني مباشرة، وكنت أظنه نائمًا هو الآخر، حتى سمعت صوته من أعلى يحادثني قائلًا:-
– “لمَ لا تنام؟”
لم أجب، لأني لا أعرف الجواب أصلًا، وهو لم يكرر السؤال، وأظنه راح في السبات، وهذا جيد، أنا بحاجة لأي شخص يؤنسني الآن إلا هو! لست مستعدًا لتحمل من يتفلسف أو يستعرض ثقافته عليّ، لا سيما الآن..لا أدري كم مر من الوقت بعدها، لكني وجدت نفسي أحدثه، وأنا أتمنى أن يكون نائمًا لا يسمعني، كي لا يرد عليّ، قلت له:-
– “صار محاسبًا.. ثم مديرًا لبنك استثماري خاص!”
– “من؟!”
للأسف، اتضح أنه لم يزل صاحيًا! أتحدث عن صديقي (فوزي) طبعًا.. من غيره؟
– “أنت قلت: إن مكانه الطبيعي السجن بدلًا مني! لكنك مخطئ!”
انقلبت على جانبي الأيمن، ووضعت يدي أسفل خدي، وأنا أضيف:-
– “لقيته مصادفة قبل دخولي السجن بعدة أشهر، كان يركب سيارة فارهة، ولديه سائق خاص،
العجيب أنه هو الذي تعرفني، وناداني باسمي، تبادلنا التحية وبعض الكلمات الأخرى، ثم أعطاني بطاقة ورقية فيها اسمه ووظيفته الجديدة وبعض أرقام تليفوناته، وطالبني بأن أحادثه إذا احتجت شيئًا.. لكني لم أحادثه حتى دخلت هنا..”
هل يسمعني؟ أم نام بمجرد أن حادثته؟
على كل حال هذا أفضل بالنسبة لي، أنا أريد من يسمعني لا من يناقشني.. لكني حين تأهبت للنوم،
وشعرت ببعض النعاس يراود جفوني، أتاني صوته العميق يقول:-
– “إذن ليس هو من استسلم!”
– “………………………!”
لمتابعة المزيد من أعمال جابر القصاص بــ موقع اوراق عربية / روايات – قصص مسلسلة
لمتابعة المزيد من الأعمال بـ روايات – قصص مسلسلة / موقع اوراق عربية علي فيسبوك