روايات مُسلسلةمنتدي أوراق عربية

جابر القصاص لـ موقع أوراق عربية …. المُحاكمة – قصة مُسلسلة ج 10

كان (الفولي) مستمرًا في الضرب والسباب، وهو يزمجر ببعض العبارات من نوعية: “أنا سأعلمك الأدب” .. “كيف تجرؤ؟” .. “سأربيك”..

وطبعًا لم نهتم لحظة بمعرفة ما الذي فعله (فوزي) وتطلب من (الفولي) أن يعاقبه – أو يعلمه الأدب – عليه،

فجميعنا نعلم أن (الفولي) ليس بحاجة إلى سبب، سوى ما يخترعه هو ليريح ضميره شبه الميت،

أما (فوزي) فلم يقاوم هذا الاعتداء أدنى مقاومة، ولا حاول حتى دفع خصمه مجرد الدفع، وظل يتلقى الصفعات واللكمات المؤلمة، وقد احتقن وجهه من الألم، والتمعت عيناه بالدموع التي يحبسها،

ومع ذلك لم يتكلم، ولم يبك، ولم يقاوم ألبتة، وحتى اغتاظ (الفولي) نفسه منه، وظل يردد بحدة:-

– “أرني قوتك.. اضربني كما أضربك.. أقول لك: اضربني..”

لدرجة أنه أمسك بيد (فوزي) وأخذ يدفعها دفعًا تجاه وجهه وصدره، ليغريه بمبادلته الضرب، لكن (فوزي) لم يفعلها إطلاقًا،

وظل ينظر إلى (الفولي) بثبات وصمت، فاغتاظ (الفولي) أكثر، وواصل توجيه ضرباته إليه، ونحن نكتفي بالمشاهدة!

ظل الأمر كذلك حتى مر أحد المعلمين بالصدفة وانتبه للضجة،

وأقبل على الفور ليرفع (الفولي) من فوق (فوزي) وينهال عليه بالصفعات والركلات والسباب،

مع فرك أذنه بقوة، ووعيد هادر بالرفت من المدرسة، قبل أن يتخلى عنه ويسرع إلى (فوزي) الذي نهض مبعثر الثياب،

والدم يقطر من شفته، مع بعض الخدوش في وجهه، وأخذه المعلم ومضى به بعيدًا ليصلح من شأنه.

في اليوم التالي رأينا أم (فوزي) جاءت وملأت المدرسة صراخًا وبكاء ووعيدًا، وعلمنا أيضًا أن مدير المدرسة قام بمعاقبة (الفولي) عقابًا مؤلمًا،

مع استدعاء ولي أمره، لكن المدهش أننا عرفنا فيما بعد أنه لم يكن (فوزي) من أخبر والدته بالواقعة،

وإنما بعض التلاميذ من الجيران هم الذين أخبروها، وهذا أزعجها بشدة، أزعجها حتى البكاء إشفاقًا وألمًا..

والمدهش أكثر أن (الفولي) لم يتعرض لـ (فوزي) بعدها ألبتة، بل كان يتحاشاه

ونما لدينا جميعًا شعور بأن هذا ليس متعلقًا بموقف الأم، ولا العقاب الذي ناله من إدارة المدرسة،

فلم يكن (الفولي) يردعه أي عقاب، وكم من مرة عوقب بسبب اعتدائه على تلاميذ آخرين، ولم يردعه ذلك عن معاودة الاعتداء عليهم،

وإن كنا لم نستطع أن نحدد السبب الحقيقي لتحاشيه (فوزي) بالذات،

ربما رأى البعض أن (الفولي) كف عن الاعتداء على (فوزي) فقط لأنه لم يقاومه، وهذا لا يرضي غرور (الفولي)، ولا يشبع شهوة الاعتداء لديه،

فهو يريد خصمًا يبادله الضربات حتى يشعر بقيمة الانتصار عليه،

لكن ثمة سؤال يعترض هذا الاستنتاج: لماذا اعتدى عليه من البداية ما دام هو كذلك؟ أم أنه لم يتوقع ذلك منه؟

الاحتمال الآخر، وهو الذي أميل إليه: أن (الفولي) اكتشف أن (فوزي) مختلف عن الباقين، فهو لم يتعود أن يعتدي على أحد فلا يقاوم، ولا حتى يبكي، هذا مرعب جدًا حتى لمثل (الفولي) ذاته،

وأعتقد أن كثيرًا من التلاميذ بدءوا ينظرون إلى (فوزي) بعد هذه الواقعة باعتباره ليس صبيًا طبيعيًا أبدًا،

أو على الأقل ليس مثلنا، فنحن ربما نكون قد رأينا من قبل صبيًا يتعرض للضرب المبرح ولا يقاوم، لكننا لم نر من قبل – ولا من بعد – صبيًا يتعرض للضرب المبرح ولا يبكي ألبتة!!

أما السؤال الذي ما زال يراود عقلي طوال كل تلك السنين: ما فعله (فوزي) صلابة، أم ضعف واستسلام؟!

لكني لم أجد جوابًا لهذا السؤال حتى الآن!

لمتابعة المزيد من أعمال  جابر القصاص بــ موقع اوراق عربية / روايات – قصص مسلسلة 

لمتابعة المزيد من الأعمال بـ روايات – قصص مسلسلة / موقع اوراق عربية علي فيسبوك 

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق