روايات مُسلسلةمنتدي أوراق عربية

جابر القصاص لـ موقع أوراق عربية …. المُحاكمة – قصة مُسلسلة ج12

إلى متى سأظل هنا؟
وماذا بوسعي أن أفعل لأصمد هنا؟
لا أستطيع أن أفكر مثل (الحسيني)، هو ينتظر أن يموت خلال ساعات، أو أيام، أو أشهر! الموت احتمال جيد بالنسبة له،

لكن ليس بالنسبة لي، فأنا لا أريد أن أموت برغم كل شيء، كما ينتظر أن يحالفه الحظ ويجد فرصة للهروب كـ (إدموند دانتي) أو (آندي دوفراين)، اللذين لا أعرف من هما أصلًا، لكنه يعرف – كما أنا أعرف – أن هذه الفرصة لن تجيء،

إنهم يحيطون بنا بشكل محكم، واحتمال ثالث ينتظره: أن يمرض ويحصل على إفراج صحي..

لكن ما أكثر المرضى حولنا، ولم يحصلوا على هذا الإفراج الذي يحلم به!

لا شيء من هذه الاحتمالات سيحدث، حتى الموت لا يحدث حين نتمناه!

إلى متى سأظل هنا؟
وماذا بوسعي أن أفعل لأصمد هنا؟
كل ما أفعله: أني أنام.. ثم أصحو من النوم.. أتناول الطعام.. أثرثر مع الآخرين.. ثم أنام.. ثم أصحو من النوم..

أراقب ضوء النهار الذي يتسلل إلى العنبر، أو ضوء مصابيح الليل الواهنة التي تأتي من الطرقة الخارجية، أو أتشرب ضوء الشمس في الفناء حين يسمحون لنا بالخروج إليه.. ثم أنام.. ثم أصحو من النوم..

أحاول أن أتذكر التقويم لأعرف في أي يوم أنا، وكم مضى عليّ هنا، وكم يتبقى لي حتى أغادر إلى الهواء الطلق..

ثم أنام.. ثم أصحو من النوم..

أصطف مع الآخرين في طابور الطعام حتى أحصل على وجبتي.. أثرثر مع الآخرين أثناء تناول الطعام.. أثرثر مع الآخرين بعد الانتهاء من الطعام.. ثم أنام.. ثم أصحو من النوم.. أتعارك مع سجين آخر على أتفه الأسباب، ثم أفض عراكًا بين آخرين نشب لأتفه الأسباب.. ثم أنام.. ثم أصحو من النوم..

أثرثر مع الآخرين.. أستمع إلى حكايا أيامنا العشرة السرمدية، وأتظاهر بالصديق! ثم أنام.. ثم أصحو من النوم..

ثم أنتظر زيارة من أحدهم لا تجيء!!

لا زيارات تأتيني على الإطلاق!
– “ماذا بك؟”
– “لا شيء..”
أنت بالذات أيها المتفلسف لا أريد التحدث معك في أي شيء!
– “تكلم يا رجل.. ما الذي يزعجك؟”
ما الذي يزعجني؟!
يا له من سؤال! بل قل: ما الذي لا يزعجني؟ ما الذي لا يقهرني؟ ما الذي لا يقتلني بالبطيء؟!!
– “لا شيء.. اطمئن!”

أبتسم في سخرية وأنا أستطرد:-
– “لا شيء سوى أني سجين منذ ما يقرب من عامين، وسأظل سجينًا طيلة سنوات أخرى بعيدة.. لا شيء سوى أن استئنافي الحكم قوبل بالرفض لأن المحامي خدعني مجددًا! لا شيء سوى أن أسرتي تبرأت مني لذنب لم أقترفه،

لا شيء سوى أن عم (صالح) وعدني بأن يذهب إليهم ليقنعهم بزيارتي، ثم انقطعت أخباره ومؤكد أنه نسيني..

لا شيء سوى أني خسرت كل شيء.. سمعتي.. حريتي.. عائلتي.. مستقبلي.. كل شيء.. كل شيء..

ماذا تتوقع أن يزعجني في هذه الحياة الجميلة التي أحياها؟!”
من فضلك لا تقل شيئًا.. لا تعقب على أي كلمة من كلامي! تعلم أن تستمع فقط ولو لمرة واحدة في حياتك! هي هذه المرة!!

لكنه كما أتوقع دائمًا لا يعرف كيف يستمع دون أن يتكلم،

نظر إليّ تلك النظرة النافذة التي تخيفني أحيانًا، وتستفزني أحيانًا أخرى، ثم قال:-
– “كل ما تحكيه الآن هو أمر واقع، لا خيار لك فيه حاليًا، ربما كان لك خيار فيما مضى، لكن ليس الآن..

السبيل الوحيد للتعايش مع هذا الأمر الواقع هو قبوله.. وهذه مشكلتك! أنك لا تريد أن تتقبل هذا الواقع، وتصر على إيهام نفسك بغير الحقيقة!”
هتفت فيه بحنق:-
– “أية حقيقة؟ عم تتحدث.. اصمت من فضلك.. اصمت!”

لكنه قال في صرامة وصلابة:-
– “حقيقة أنك مذنب لا بريء.. لم يتم التغرير بك من أحد، ولم يخدعك أحد.. بل فعلت ما أدانوك به حقيقة!”
– “لم يحدث!”
أيها الوغد! تريدني أن أعترف بجريمة لم أقترفها؟! وتظن أن هذا سيريحني؟ بل هو سيريحك أنت.. أنت الذي تحب أن تبدو كمن يعرف كل شيء، حتى الغيب!

– “أنا لا أعلم الغيب، لكني أستطيع قراءة الآخرين من نظرات عيونهم، من تعبيرات وجوههم، من تسارع أنفاسهم،

لقد كنا معًا في ذات القفص يوم النطق بالحكم، ونظرت في عينيك ورأيتك مذنبًا يريد أن يتخلص من الذنب بخداع نفسه، هل تذكر ماذا قلت لك حينها؟”

لا.. لا أريد أن أذكر شيئًا، ولا أريد حتى أن أراك أمامي، أو أستمع إليك، اغرب عن وجهي الآن وإلا حطمت أنا وجهك!
أنا بريء.. بريء.. هل تفهم؟

لمتابعة المزيد من أعمال  جابر القصاص بــ موقع اوراق عربية / روايات – قصص مسلسلة 

لمتابعة المزيد من الأعمال بـ روايات – قصص مسلسلة / موقع اوراق عربية علي فيسبوك 

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق