حامد بدر لموقع أوراق عربية …. قُدسية مَنْسية .. (حُرمة الدماء)
معروف أن الأشياء ذات القدسية، تلك التي لها نوع من التعظيم، ويكون ذلك التعظيم من الله فيعظمها الناس، وقد يصل الأمر في وصفها لحد التحريم وتجريم إنكارها.
لكن القدسية تلك التي تتسم أيضًا بالجلال والبهاء،
وأن لا يقربها أحد، ولا يعتدي على حَرَمِها إلا من أراد أن يكمون باغيًا أو أن جهالة في نفسه قادته لذلك الاعتداء.
ولعلنا في هذه الأيام وما قبلها وما نعاصره نرى قدسيات تُنتهك فيهذا العالم
وأولها قُدسية الدماء والأعراض والمال، التي قد قال رسولنا صلى الله عليه وآله وسلَّم:
“كل المؤمن على المؤمن حرام ماله وعرضه ودمه”
ففي زمان وفي هذا عهد على أقصى تقدير صار يعايشنا صارت الدماء أهون على الناس،
فلربما صرنا نعايش العديد من جرائم القتل والحروب التي تعد بدورها آثامًا جسيمة مرتكبة، والتي أشار إليها معجم المعاني بأنها الإهمال غير العادي الذي قع من الأجير دون قصد.
(والذي يعد من المصطلحات القانونية الخطيرة جدًا على مستويي التشريع وإصدار الأحكام بشأنها).
ولقد ورد في حديث صححه الألباني وأخرجه بن ماجة عن حديث ابن عمر قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: ما أطيبك، وأطيب ريحك! ما أعظمك، وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه. فما نراه اليوم أهون على أنفسنا هو أعظم عند الله.
ولا تقف القضية ولا الحديث في حرمة الدماء عند كوننا نطرح نصوصًا مقدسَّة وكفى،
فهذا أمرٌ يسبقنا فيه وإليه العارفون والعالمون،
لكن قصدُ وراءه سؤال بشغف لا زال يطرأ على أبواب العقول اللبيبة طارقًا بهلع: “لماذا كل هذه الدماء؟”
لتنسدل منه عدة أسئلة كما يلي:
لماذا دماء الأطفال في الشوارع؟
لماذا دماء الزوجات والأطفال في بيوت تسيل على أيدي أربابهم جرحًا وألمًا بدعوى إقامة البيوت؟
لماذا دماء عربية أُريقت ولا زالت تٌراق في شتتى بلادنا؟
لماذا دماء في فلسطين وكانت في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، ولا نعلم أين ستكون غدًا؟
لماذا دماء واغتيالات في العالم وفي كل مكان في الداخل والخارج؟
لماذا نرى بعض الفقراء يبيعون دمائهم ليوفروا الطعام والفتات لأهليهم وذويهم؟
لماذا دماء كانت في الأمس القريب تباع وتشترى ليتجار بها في أزمة علاج مرضى الكورونا؟
لماذا يكدح العامل ويمتص صاحب العمل دماءَه – مجازياً – من أجل يهضم حقه ؟
لماذا يزداد الانتحار في هذ العهد وتكثر حوادثه وتتفشى وتنتشر عبر الآثير الإلكتروني بسرعة البرق؟
لماذا صارت الدماء مادة إعلامية نتسابق على رصدها؟
لماذا ولماذا وآلاف الاستفهامات الاستنكارية طالما تراق الدماء في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل شبر، ولا نجد مردودًا عقلانيًا يستطيع أن يخفف من حدة المشاهد الدامية؟.
ماذا جنينا من الدماء سوى مزيدًا الدماء؟
قد تكون الإجابة بديهية جدًا بأن الدماء منذ أنا قتل قابيل هابيل وهي مُحرَّمةُ على الأرض واستحلَّها الظالمون
، قد تكون إجابةً أخرى بأن مزيدًا من الجهود تُبذل وعديدًا من المساعي النوعية والإجراءات المختلفة تُتَّخذ من أجل مزيدًا من الاستقرار وقليلاُ من الدماء. الا إننا بحاجة إلى ثقافة فعلية وأساليب تعليمية وتوعوية مُبتكرة تبغِّض العالم كله
(أطفالاً، ونشءً، وكبارًا) في الدماء، وتحثُّهم على مزيدٍ من الحياة والسلام،
صحيحٌ لن تنتهي الشرور، لكننا يمكن أن نقلص أرقامًا وإحصائياتً تضج بمزيدٍ من الدماء.
ولعل ذلك يكون طبيعيًا جدًا، ولعل قُدسية الدماء لا تُنسى، لكن من المؤكد أن هناك من يتناساها.
يقولون في بعض التراث والأثر بأن العالم سينتهي على أولئك الذين يريقون الدماء بلا رحمة، وأن عليهم ستقوم القيامة وتكون آخر ساعاتهم في هذه الدنيا، نرجو من الله أن لا نكون هؤلاء.
لمتابعة المزيد من كتابات حامد بدر / موقع أوراق عربية – مقالات
لمتابعة المزيد من الأعمال بـ موقع أوراق عربية علي فيسبوك