حامد بدر لأوراق عربية … 50 عام ولا يزال عبد الناصر الفكرة التي لاتموت

إن كان عبد الناصر فكرة والفكرة لا تموت،
فالحقيقة أن الزعيم الذي تخلدت ذكراه في وجدان العديد من البشر ليست فقط نابعة من أعماله وانتصاراته،
بل إن طبيعة البشر الميزة التي فطر الله البشر عليها تجعله يميِّزه عن غيره من الحكام،
إلا أن القضية برمَّتها تحتاج إلى مزيد من الجهد يعدو كونه شعارات، ونداءات، وقصص يحكيها علينا الذي قضوا شبابهم في ستينات القرن الفائت.
إننا في القرن الحادي والعشرين،
نحتاج في شخصية جمال عبد الناصر إلى قرائتين،
الأولى في شخصيته وتكوينه الذي خلق منه هذه القصة التي لازالت على مدى نصف قرن تتربع في قمم المشاهد التاريخية والسياسية، وقرءة أخرى في فترة حكمه،
التي انفصلت بتفرّد على أصعدة المشهدين السابقين وأضف إليه المرحلة الاقتصادية المختلفة.
فالحقيقة أننا كثيرًا ما نحتاج إلى معرفة المزيد عن هذا الرجل الذي استطاع أن يتقاسم وتاريخ الزمن مرحلة فارقة عُدّت من أكثر المراحل المثيرة للجدل في ليس في التاريخ المصري الحديث فحسب بل والتاريخ العربي.
جمال عبد الناصر حسين خليل سلطان المري المولود في حي باكوس بمحافظة الإسكندرية قبيل اندلاع ثورة 1919 في مصر، ذلك الفتى الذي تمتد أصوله لأسرة صعيدية عربية قحطانية استقرت في قرية بني مر في محافظة أسيوط، والذي التحق بالمدرسة الحربية فيما بعد،
وكانت عقليته تختلف عن عقلية الكثير من أبناء جيله خريجي هذه المدرسة العسكرية،
فالتمرُّد الذي وجده موجدًا في قلبه ربما جعل منه شخصية غضوبة على الأوضاع المذرية التي عاشتها مصر،
فصار يحلم بواقع مغاير تمامًا لما رآه الكثير، واقع دافعه الوصول للافضل وليس الانتقام من الماضي.
إن دراسة الشخصية ربما تختلف كثيرًا عن دراسة المرحلة السياسية ذاتها،
وربما نجد هذه في كثير منا الأدبيات التي تبحث في هذا الشأن،
لكن جمال عبد الناصر تمتع بكاريزما من نوع خاص، فالشخصية ذاتها وإن اختلفت معها تشعر بشيء عجيب فإنه من أبناء جلدتك، يحكي كما تحكي، يبتسم دون هذا التكلُّف الذي يتصنعه الكثيرين،
الشخصية ذاتها تدفعك لأن تنظر فيما وراءها لتعرف المزيد عنها.
أما المرحلة السياسية فهي مزيج كمن الكفاح والمغامرة،
من حيث بدأت من تنظيم سري يُدعى الضباط الأحرار، إلى انقلاب عسكري – وهذا المسمَّى العلمي الصحيح ليوليو 52 – يؤيده الشعب يتفاعل معه، ثم إلى الحكم، ووقيادة الدولة إلى مرحلة مختلفة تمامًا،
تترك بعدها أثرًا وتأثيرًا، فتشهد لها اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا وعسكريًا ما لم يزل في مصر من مشروعات قانون الإصلاح الزراعي، والسد العالي،
وتأميم القناة، وإنشاء جاز مخابرات عامَّة – فلم تكن مصر لديها هذا الجاز الأمني مُسبقًا سوى أجهزة الأمن الملكية والبوليس السياسي الذي كان يديره الاحتلال – وكذلك إنشاء القوات المسلَّحة المصرية بهذا التقسيم المعروف لدينا الآن بعد نكسة 67.
إن الحديث عن جمال عبد الناصر كفكرة مهضومة وأوَّل من يهضمها ربما مناصورها،
فالزعيم الراحل لديه سيرة تختلف تمامًا عن ذلك السرد الذي نراه تضج به الصفحات والمنصات المؤيده للشخصية.
إن فكرة عبد الناصر التي لا تموت هي التي يحييها المهمَّشون والبسطاء،
كالدكتور “محمد مشالي” الملقب بطبيب الغلابا – على سبيل المثال، وليس أصحاب الرؤى.
إن الفكرة التي لن تموت أن جمال عبد الناصر يكتب عنه أنا وأمثالي من ابناء جيلي الذين لم يروه ولا زالوا يبحثون عنه في وجه مصر لا في وجوه أخرى.
إن الفكرة التي لا تموت تلك الفكرة التي يمكن أن ننشئ عليها جيلاً جديدًا يحمل ميِّزاته في مجتمع الحداثة،
فيبني بيته بفكر ناصري تشاركي،
ويبني دأبه على الإصلاح بتطبيق جيد للفكرة ينفصل عن كونها مجرَّد شعار للمرحلة.
رحم الله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.
لمتابعة المزيد من كتابات حامد بدر مقالات سياسية / موقع أوراق عربية
لمتابعة المزيد من الأعمال بـ مقالات سياسية موقع أوراق عربية علي فيسبوك