منتدي أوراق عربية
قـــالت مصر
بقلم /مصطفى كامل سيف الدين
ليس من باب المبالغة- إذاً- وليس من باب التفاؤل السياسي السطحي أن يتمّ الاتفاق والتوافق على نظام يضم الجميع ويرضي الجميع. يمكن- في حال صدق الرغبة بالوصول- أن يصل السياسيون، أحزاب وقوى متنوعة إلى ما يشكّل قاسماً مشتركاً لمصلحة البلاد.
خطوة مصر الأولى، والهائلة، في إقرار لجنة الخمسين لمسودة الدستور المصري الجديد، أفادت فكرة أساسية تُختصر بجملة واحدة: ان بالإمكان التوافق والاتفاق! لم تنزل القوى والتيارات والأحزاب المشاركة في صياغة الدستور إلى الشوارع لتتحارب وتتقاتل! ولم تتمترس رموز تلك القوى خلف متاريس العناد والمكابرة: اجتمعت، وتناقشت، وتجادلت، واقترحت، وغيّرت، وقدّمت وأخَّرت.. ثم توافقت.
ما يزيد على 700ساعة من الأخذ والرد، وبجهد منهك، ومسارات عدة، توصلّت اللجنة إلى إقرار مواد وثيقة دستورية حضارية، متقدمة، تؤسس لمصر وأهلها ـ على تنوعهم وأقليتهم وأكثريتهم وتعدد مذاهبهم واتجاهاتهم ـ أرضية دستورية تكون بمثابة الخطوة الأولى المهمة في الطريق الطويلة.
حزب النور كان له آراء، وحركة تمرد كان لها آراء، وبقية القوى كذلك، لم يؤخذ بها كاملة دون أي تعديل، ولا أُخذ برأي أي اتجاه بمفرده على نحو كامل. تناقشوا، وشرحوا، وتفاعلوا، واختلفوا كذلك… لكنهم- جميعهم- توصلوا إلى ما يجمع بينهم، فتمّ إنجاز مسودة الدستور.
المرأة، والعمال والفلاحون، والمتدينون، المسيحيون والمسلمون، والعلمانيون، والليبراليون، وغيرهم.. عملوا معاً، كخلية نحل، لإنجاز الشهد لأرض مصر، ومستقبل مصر. لم يعملوا وفق مبدأ: «بلى… ولكن» بل شاركوا على أساس: «لكن… وبلى». قدّموا في «لكن» وجهات نظرهم وأفضلياتهم غير أنهم قالوا ـ في النهاية ـ بلى للتوافق.
لم تكن الطريق من دون ألغام وعقبات واعتراضات جدّية.. لكن النيّة الصادقة والرغبة الحقيقية في إخراج مصر، كل مصر من مأزقها كانتا الحافز والدافع.
بعد شهر من الإجماع (مع بعض الممتنعين وغير الموافقين بطبيعة الحال) سيُعرض الدستور على الاستفتاء الشعبي حيث سيقول أهل مصر الكلمة الأخيرة الفاصلة. وبعد ستة أشهر- في حال الموافقة الشعبية- ستجري انتخابات برلمانية ورئاسية، أو رئاسية وبرلمانية، لا يهم.
المهم أن الماكينة قد دارت. لا شيء أسوأ من تعطّلها وتوقّفها عن العمل في أي بلد كان. كان يمكن لممثلي القوى والتيارات والأحزاب في لجنة الخمسين أن يتمترس كلٌّ منهم خلف «أناه»، ومن ثم يحتكم إلى الشارع والمواجهات والاقتتال، غير أنهم ـ جميعاً ـ فكّروا بمصلحة بلادهم وعملوا على أرضيتها، فتوافقوا، وأقرّوا مشروع الدستور.
درس مصر العظيم يصحّ أن يكون درسا إنموذجياً لمختلف القوى في بلدان الربيع العربي. أسقط الشعب المصري نظامه السابق، ولم يعد أمام القوى والأحزاب إلا أن تضع حجر الأساس لنظامٍ سياسي، حضاري، ديموقراطي، تعددي، يراعي مصالح الجميع- قدر الإمكان- ويكون عادلاً- قدر الإمكان- ومن دون أي لون أو مذهب بعينه- قدر الإمكان- ثم تمضي البلاد نحو بناء المستقبل.
ما حدث في مصر خلال سبعمئة ساعة ويزيد من حوارات أعضاء لجنة الخمسين يمثّل درساً، ويمثل إمكانيةً خال البعض استحالتها، لكل القوى والتيارات المتنازعة في البلدان العربية، والمتصارعة، وبالسلاح مع الأسف، ويمثّل درساً بليغاً لكل صوت يقول: يستحيل على العرب أن يتوافقوا ويتفقوا.
ما حدث في مصر ليس موضوع توافق على دستور، إنه موضوع توافق على دخول العصر، أو الخروج منه.
متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)