أخبار المحافظاتأخبار وتقارير

في عيد بورسعيد ال57 أطفال 56 يروون ذكريات ما قبل التهجير

 

إسماعيل مناع : مدينتي وردة الدم

الحاجة جملات: بسبب الغارات أمي تلد علي شط القنال و قضينا 3 أيام في العراء

سعد حسن : حملنا المصابين وجثث القتلي من الشوارع علي عربات الكارو واليد

محمد بيوض : بورسعيد مدينة اوروبية دمرتها الحروب

محمد حسن: عشقنا جيشنا واستمتعنا بالمخاطرة

تحقيق – جهندا عبدالحليم , ريهام حسن

وقف الطفل الصغير امام شاطئ البحر يتأمله بعيون ملئها الحنين لماضي سجله التاريخ وتحاكت به الدنيا , و أخذ يتذكر ويقلب اوراق الذاكرة هنا كانت ضحكة , وهناك صرخة , لعبة بسيطة ولكنها غالية , اجانب في كل الشوارع , عمال التراحيل يعملون بالميناء , صيادين يغزلون الشبك , فقر وحرب , دماء في كل الاحياء , أصوات مدافع اشهرها مدفع محمد علي .

لم تخلو عائلة من وجود شهيد , ولم يوجد بورسعيدي لم يعرف معني التحدي والعناد و كره العدو , قلوب صلبة قوية , تحدت الصعاب , ولم يفق هذا الطفل من احلام يقظته الا وهو في العقد السادس من عمره , ليحكي لنا زكريات مدينته الباسلة فيما قبل الهجرة , و لنري معه كيف كانت بورسعيد بعيون اطفال الامس .

عبقرية المكان والتكوين و كذلك أهلها , حرة باسلة فريدة من نوعها ؛ لطالما تغني الجميع بأجمل الأشعار والكتابات حولها وأردنا كبورسعيدية مشاركتكم بشئ مميز لذكري عيدها القومي هذا العام فلم نجد أفضل من أن نستمع لحاكايا جيل الخمسينات والستينات آباء اليوم ليرسموا لنا ملامح الجميلة “بورسعيد”  في فترة طفولتهم .

 

 

 

في هذا الصدد يقول مهندس محمد بيوضالباحث التاريخي – لم تكن الحياة بمثل هذه الصعوبة التي نعيشها الآن ، فقد كانت بورسعيد في أبهى صورها من نظافة وجمال يضاهي جمال المدن الأوروبية ، دليسبس ، المسلة ، الكورنيش المكسو بالنجيلة الخضراء ، جناين الرسوة ، كازينو الجزيرة ،حديقة سعد زغلول ، حديقة فريال ، بلاجات بورفؤاد بألعابها المائية ، حديقة المنتزه ببورفؤاد ، مسرح بورسعيد الصيفي ، السينيمات العديدة ، كانت هذه أماكن المتنزهات المعروفة في الستينات ، فقد كنا أطفالاً وصغاراً وشباباً نتنزه في المسلة ولم يكن الرصيف المائل الذي يحوط المسلة إلا “الزحليقةالتي طالما قطعت ثيابنا من كثرة اللعب عليها.

ويضيف بيوض لم يكن شارع الحميدي على إمتداد طوله من شارع الأمين إلى شارع محمد علي يخلو من صوت قرآن الساعة الثامنة مساءً على البرنامج العام ، فعلى سبيل المثال يوم السبت كان للشيخ عبد الباسط عبد الصمد ، فكنت تستمع للقرآن بصوته من أول الشارع لآخره إذا مررت في هذا الميعاد ، ولم يكن بالحميدي أي محل يبيع سوى الخضراوات والفواكه والأطعمة فقط ، وقد إشتهر في هذا الشارع مطعم المطري وأبو سمرة للفول والطعمية وإشتهر أيضا شاهين الفطاطري والذي كان من طقوس الزواج في هذه الأيام أن لابد وأن يأتي للعرسان فطيره من عنده في الصباحية !.

و يتابع وإذا دخلنا إلى التجاري وهو الشارع الموازي للحميدي ويبدأ وينتهي مثله تماما ، فنجد الشامي بائع الهريسة المشهور والذي كانت شهرته تفوق شهرة أشهر حلوانية دمياط في ذلك الوقت وإذا سألت أي جندي من جنود القوات المسلحة والذين خدموا في منطقة بورسعيد في تلك الأيام لابد وأن يذكر لك الشامي والهريسة ، ولكن كان يوجد أيضا بنفس الشهرة ولكن على مستوى بورسعيد فقط “ألبان رمسيسفي البازار وكان أيضا يقوم بعمل البسبوسة المغطاة بطبقة من القشدة الطازجة وكان محله بجانب محل محمود الفار وحاليا مكانه عطار .

وإذا إنتقلنا للميناء بكل خيراتها ، لوجدت شارع الميناء (فرانسوا جوزيف أو فلسطين حاليا) لاينام وخصوصا إذا كان هناك “مساجيري” فقد كان هذا الشارع والمنطقة المحيطة به يعمل 24 ساعة وياله من منظر جميل إذا جلست في كوفي شوب سيمون آرزت في تراس الدور الثاني لتحتسي القهوة وتشاهد الميناء وهي تعمل بلا توقف ، وكنت تراقب البمبوطية وهم يبيعون سلعهم للمساجيري أو يبدلونها مع أطقم السفن العابرة ، ثم يعودون بالسلع المبدلة لكي يبيعونها لمن يحتاج إليها . تلك كانت تجاراتهم وكنا نعشق هذا النوع من العمل .

وكم كانت النزهة في عبورنا لبورفؤاد عظيمة خصوصاً ونحن نركب المعدية الفرنسية ذات الإستيم (التي تعمل بالبخار) فقد كان يوجد بها صالون في الأصل كان مخصص للخوجات ممن يعيشون في بورسعيد كنوع من “الجليطة” على شعبنا الجميل ، لكن من بعد أن غادرونا في 1956 وما بعدها فقد إستخدمنا نحن هذا الصالون الرائع والمريح في تنقلاتنا بالمعدية ، وقد كنت تجد ربان المعدية بزيه المميز والكاب المكتوب عليه بالدبوس النحاسي اللامع (ق.س) أي قناة السويس ، حيث كان وجهه مهلل بالإبتسامة والترحاب لكل من يعبر معه وينظر إليه ، وقد كان هناك من البحرية من يقف على الأبواب لكي يمسك بيد الصغار والنساء أثناء ركوبهن أو نزولهن من المعدية في ذوق وأدب نفتقده الآن من الجميع .

ويروي ان البورسعيدية كانت وسيلة إنتقالهم هي الدراجات الهوائية ، فقد تعلموها من الأوروبيون الذين كانوا متواجدون بكثرة في بورسعيد وحتى تأميم القناة والعدوان الثلاثي في 1956 ، لم يكن هناك بيت في بورسعيد يخلو من دراجة على أقل تقدير لرب الأسرة .

وكانت وسيلة الإنتقال الأخرى الأكثر شيوعا هي الحناطير كما كان يوجد في الستينات الأتوبيس المخصص للنقل الداخلي وكان هناك خطان رئيسيان ، الخط الأول وهو الدائري وكان يلف المدينة وينتهي عن مسجد صالح سليم آخر محطة ونقطة الإنطلاق من جديد ، والخط الثاني كان خط كسرى ويبدأ من مبنى الهيئة وينتهي عند المنطقة السابعة والثامنة ، كانت حياة بلا تلوث وكانت حياة هادئة إلى أن أتت حرب 1967 وحدثت الهزيمة ونالت بورسعيد ما نال مصر كلها وإن كان الشعب البورسعيدي على الخط الأول للقتال ، وقد حدثت الهجرة القسرية لأهالي بورسعيد بعد بداية حرب الإستنزاف وتمت الهجرة في عام 1969 وتم إخلاء المدينة بالكامل من الأهالي .

 

“مدينتي .. وردة الدم”

و بدأ اسماعيل مناع – ناشط سياسي –  يحكي بنحنين وحزن زكرياته بوصفه لبورسعيد ب”مدينتى وردة الدم …”  ما ابعدها الان عن امسها واقصد بأمسها ما قبل التهجير القسرى فى عام 1969 مدينة هادئة لا ضجيج فيها شوارعها منتظمة تقسم المدينة طولاً وعرضاً , , وهو ما يتيح للهواء النقى ان يصل الى كل المدينة شوارع نظيفة مرصوفة كلها وكانت الشوارع الضيقة مرصوفة بحجر البازلت الاسود ” الحوارى ” دعينى احدثك عن القيم والاخلاق…

ويتابع قائلاً :”كانت المدينة كلها تعرف بعضها بعضا لذا نادراً ما تجد معاكسة من شاب لفتاة ” معاكسة وليس تحرش ” برغم ان الموضة للفتيات فى الستينات ” وما ادراك ما الستينات ” المينى جيب ثم الميكرو جيب ومع هذا لم تكن هناك حالة واحدة لاغتصاب والحقيقة ليس هنا فقط , ولكن فى الجمهورية كلها كان احترام الاكبر سناً واجب مقدس فلم نكن نجروء على رفع الصوت على من هم اكبر منا سناً ايا كانت الاسباب كان الاجلال والاحترام لمدرسينا لدرجة اننا كنا نهرب من الشارع لو لمحنا اياً من مدرسينا قادم فى الشارع .

ويسرد قائلاً :” لم يكن هناك الا تقريبا عدد2 اتوبيس وكانت لو ركبت اى فتاة ولا يوجد لها مقعد فورا يقوم اى شاب جالس ليعطيها مقعدة لتجلس مكانة حتى لو فتاة صغيرة فى السنكانت ألعابنا بسيطة وبلا كلفة اذكر منها ” اللجم ” وهى شبيهه بلعبة الرجبى الامريكية ” البلاد ” ” السبع طوبات “, العقلة والمضراب , جندر بتعتيش الجيم , لعبة عنكب وطبعاً كرة القدم بكرة التنس وهى لعبة كنا نمتاز بها وكانت هناك فرق بإسم الحوارى او الشوارع .

 

و اردف قائلاً :” الشوارع لم يكن بها زحام الا فى فصل الصيف حيث كان يمتاز شاطئنا بكونة شاطىء رملى لمسافة كبيرة كانت الكبائن الموجودة قبل بناء كبائن المعمورة عبارة عن فيلات صغيرة .

الحياة كانت بسيطة وبلا عقد او مغالاة فى الاسعار كانت العلاقات بين الجيران علاقة كما الاهل تماماً كانت هناك اكلات لا تؤكل او تطبخ للمنزل فقط بل للجيران فلم تكن سيدة تقوم بعمل ” كبيبة الجمبرى ” الا وكانت الاطباق توزع على الجيران قبل اهل المنزل وكذا المحشى كانوا يتعاونون سويا فى تحضير الطعام .. كنا نمتاز بموضوع حبل الغسيل ما بين العمارات فى الشوارع الضيقة .

كانت الفرق المسرحية كثيرة وكذا فرق الفنون الشعبية وليست فى قصر الثقافة فقط كانت هناك فرق للنوادى ( فرق لنادى العمال . ونادى بورسعيد . وكذلك فرق المدارس الثانوى والاعدادى ) لم تخلو مدرسة من مكتبة وفرق رياضية وكان هناك مسابقات بين المدارس فى كل هذة الانشطة . كان يوجد تقريبا 6 سينمات و2 سينما صيفى .!!

 

 

ويروي محمد حسن – تاجر –  اكثر ما اتذكره  تلك الايام في طفولتي وجود الاجانب والسياح بكثرة ببورسعيد خاصة في مناطق ديليسيبس و حي الافرنج , ووجود الحناطير ومراكب المساجرية , و انواع الاسماك التي تميزت بها مدينتنا فقط في المواسم كموسم السردين , وكانت كل المحافظات تاتي لشرائها , وكان مصيف بورسعيد  من افضل المصايف والاكثر هدوءا علي مستوي الجمهورية , كما اشتهر حي العرب حينها بعمال التراحيل الذي كانوا يعملون بهيئة الميناء.

و يضيف اما في عام 67 فكان المشهد الرئيسي ببورسعيد هو انتشار الدبابات والعربات المسلحة , واهمها سماع دوي مدفع ابوعلي من علي شاطئ البحر , واكثر ما يخلد في ذاكرتي وكنت وقتها طفل ذو 6 سنوات يوم ان ضرب حي العرب من قبل العدوان الغاشم , وقد تم شرب سوق الجملة – الخضار والفاكهة – الكائن بشارع محمد علي , وضرب بابور النور بشارع محمد علي و 100 – مديرية الكهرباء حالياً – و قصف منازل  شارع دمنهور والبلدية , و اكبرهم ضربة سوق السمك بشارع الروضة .

و يكمل ان المشهد الاكثر بشاعة هو نقل الشهداء والمصابين الي مستشفي الاميري علي عربات الخضار الخشبية , وفي وقت النكسة 67 بدات الهجرة الجبرية من بورسعيد الي باقي المحافظات فكان العدوان يضرب الطرق ويستهدف السيارات التي تقل الاهالي  ومات الكثيرين امام اعيننا , اما عام 69 اتذكر حينها صمود ابطال راس العش وتهجير من تبقي ولم يهاجر عام 67 , فهاجرت انا واسرتي الي محافظة المنيا , وشهدت تلك الفترة ايضاً ضرب فندق هلنان ومن قبلها ضربة المدمرة ايلات .

ويقول اذكر وقتها تم ضرب مركب تفاح فكنت اذهب و الكثير من الاطفال حينها لجمع التفاح من علي شاطئ البحر , وكم كنا نستمتع بهذه المخاطرة وسط اجواء القصف والنار حينها .

 وكم كنا فخورين بجيشنا المصري وجنوده  فمن اكثر المشاهد التي اتذكرها وانا في الصف الثاني الابتدائي في اخر ايام ذهابي لمدرسة الفرما في شارع محمد علي بجوار السكة الحديد وجدنا جنود الجيش المصري احتلت فصول المدرسة وكانوا يقومون بتوزيع الحلوي والشيكولاتة علي التلاميذ و كانوا يضعون فوق سطح المدرسة مدافعهم الحربية .

عانت بورسعيد ايامها من الفقر والحرب و تم فقد اسر كتير وقت التهجير عند ركوبهم المراكب و زوارق الصيادين ببحيرة المنزلة , حيث كان بيتم ضربهم في المياه ومات اطفال كثيرة امام اعين امهاتهم واسر كاملة. وكان هناك طيران اسرائيلي يلقي بالاقلام و راديوهات صغيرة ولعب اطفال تحوي متفجرات تنفجر في من يستخدمها وراح ضحيتها اطفال كثيرة .

كنا نتعايش مع الخوف كأطفال كانت امي نطفي النور وتطلي زجاج النوافذ بالازرق ونلزق عليه لزق عند اطلاق العدوان لصفارة الخطر و نسرج النور في الصفارة الثانية وقت الغارات الجوية علي البلد وكان هذه الايام كل من هو فوق ال 15 سنة الي السن الاكبر مشتركين في الدفاع المدني .

وتقول جملات محمد عبدالحليم ذكريات ما قبل الهجرة هي أجمل مراحل حياتي مرحلة الطفولة فكانت الحياة جميلة ولم نشعر بأي مشاكل رغم أن الحياة حينها كانت ضنك ,.

وأضافت كنت صغيرة أيام العدوان الثلاثي عام 56 كنا نسكن بحي العرب بعزبة فاروق – شارع أسوان الآن- , وأتذكر والدتي – رحمها الله – حينما أخذتني وإخوتي وهي حامل وجلست بنا لمدة يومين أو 3 أيام علي القنال عند “الرسوةهرباً من الغارات وطيران العدو يحلق فوق رؤوسنا ويقصف في المدينة وفوجئنا بأمي تلد أخي علي شط القنال وسط كل هذا الرعب وعناية الله وحده أنقذتها والرضيع و أنقذتنا.

وتروي لنا الحاجة جملات كيف شاهدوا كثير من اللنشات تغرق وهي تحاول نقل الأهالي للبر الثاني ليهاجروا للمدن القريبة (دمياط – المنزلة – المطرية وغيرها) هرباً من الموت ولكنهم رغم ذلك إستبقوا في المدينة حتي الهجرة الثانية قبل أكتوبر .

أما “سعد حسن” فقال أبرز المشاهد التي لم تنساها والدتي عن 56 وذكريات ما قبل الهجرة في حياتنا اليومية “كوبونات الجاز” وكيف كنا نذهب لإستلامه كالتموين الآن من البقال بالكوبون, والمحبة التي نفتقدها الآن فكنا جميعاً نأكل من طبق واحد ورغم ضيق العيش وإنعدام الموارد إلا أنه كان لكل شئ طعم عكس اليوم وقلة البركة في الحياة , ويكفي الهدوء الذي كان يعم أرجاء المدينة الحرة .

وأضاف “حسن” من رموز هذا الزمن “فتوات الشوارع” الذين كانوا رفع الظلم عن الفقير في منطقتهم , فضلاً عن حل المشاكل بين سكان الشارع الواحد أو بينهم وسكان الشوارع المجاورة , وإختيار كبير أو فتوة الشارع يكون بناءاً علي (كبر عزوته أو أهله , سنه , إحترامه وخلقه, شهرته في حرفته , ماله , أو بإجرامه!!) , وتكون كلمته مسموعة وطبعاً أبرز الأسلحة حينها العصي والمطاوي والزجاج عكس اليوم.

وروي لنا لا أستطيع أن أنسي رغم طفولتي حينها كثرة غارات العدوان علينا وكيف كنا عند سماع صفارة الإنذار نطفئ الأنوار سريعاً و نهرول والأهالي للجرابين – كالخنادق- للإختباء أو في أحواش البيوت حتي نسمع صفارة الأمان فنعود لمنازلنا. وتذكر مشهد المصابين وجثث القتلي من أهالي بورسعيد وهي ملقاة في الشوارع وكيف مات عمه “كامل” وهو في ريعان شبابه برصاص جنود العدو في شارع محمد علي والثلاثيني هو وغيره , وتهافت الكبير والصغير والنساء ليحملوا المصابين والجثث علي عربات الكارو واليد لإسعافهم ودفن الموتي والكل كان يد واحدة وإعتدنا علي منظر الدم والأشلاء فجفت في أعيننا الدموع عكس اليوم دموعنا تنهمر علي مصر وما آلت إليه .

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق