منتدي أوراق عربية
دور قانون الطوارئ في إرساء قواعد الحكم الظالم بقلم الدكتور عادل عامر
وطبقا لرؤية بعض الخبراء فإن هناك 28 ألف جمعية أهلية مسجلة لدي وزارة الضمان الاجتماعي، وينبغي الاستفادة منها في جهود مكافحة الفقر والبطالة، وتوجيه هذه الجمعيات إلي الاهتمام بالعمل لإحداث تغيير حقيقي في حياة الفقراء ومحدودي الدخل، خاصة أن جهود العمل التطوعي ستكون عالية في إطار أداء شباب الثورة، الذين أحسنوا الأداء طوال فترة اعتصامهم في ميدان التحرير.
والحياة السياسية في مصر لا تقل خطورة عن الحياة الاقتصادية فحالة الطوارئ موجودة باستمرار وهو القانون المعمول به منذ عام 1967، باستثناء فترة انقطاع لمدة 18 شهرا في أوائل الثمانينيات، وبموجب هذا القانون توسعت سلطة الشرطة وعلقت الحقوق الدستورية وفرضت الرقابة، وقيد القانون بشدة اي نشاط سياسي غير حكومي مثل “تنظيم المظاهرات، والتنظيمات السياسية غير المرخص بها، وحظر رسميا أي تبرعات مالية غير مسجلة”
.وبموجب هذا القانون أيضا احتجز ما يزيد علي 17,000 شخص، ووصل عدد السجناء السياسيين كأعلى تقدير إلي 30,000 سجين. ويمنح قانون الطوارئ الحكومة الحق في أن تحتجز أي شخص لفترة غير محددة لسبب أو بدون، ولا يمكن للشخص الدفاع عن نفسه وتستطيع الحكومة أن تبقيه في السجن دون محاكمة. ؛ وبذلك سيتمكن من تدارك ما ضاع من الزمن، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وربح رهان التنمية الشاملة والمستدامة. فقد كثرت الإحكام القضائية الخاصة بإلزام الدولة بالتعويض عن الأخطاء الإدارية المتعمدة من رجال النظام السابق «مهما يكن سبب القرار أو الخطأ، فإنه بصدور الحكم ثبت بشكل نهائي مسؤولية جهة الإدارة المحكوم ضدها، وبتتبع المتسبب في ذلك، نجده في كثير من الأحوال مشارا إليه في الحكم الصادر بمركزه الوظيفي أو باسمه الشخصي، وفي كثير من الأحوال يكون ذلك ناتجا عن ارتكاب الموظف أو المسئول مخالفة إدارية واضحة ومحددة أوصافها وتكييفها القانوني في الحكم ما يستوجب مساءلة هذا الموظف أو المسئول وتأديبه وفقاً لنظام تأديب الموظفين أو إدانته جنائياً إذا تجاوز حدود صلاحياته الإدارية وارتكب جريمة من الجرائم المعاقب عنها شرعاً» من ذلك يتضح ان وجود الدستور يعد الضمانة الاولى لخضوع الدولة للقانون، لان الدستور يقيم السلطة في الدولة. ويؤسس وجودها القانوني كما يحيط نشاطها بإطار قانوني لا تستطيع الحياد عنه.
وليس ذلك راجعا الى ان الدستور يقيم حكما ديمقراطيا اذ انه لا ارتباط بين وجود الدستور وقيام الحكم الديمقراطي. كما انه ليس ثمة تلازم بين خضوع الدولة للقانون واعمالها للمبدأ الديمقراطي. ولكن وجود الدستور يؤدي الى تقييد سلطات الدولة، اذ سينظم السلطة فيها ووسائل ممارستها كما يعين حقوق الحاكم ويحددها. والدستور بطبيعته أسمى من الحاكم لانه يحدد طريقة اختياره و يعطيه الصفة الشرعية، كما يبين سلطاته وحدود اختصاصه ومن ثم فان السلطة التي مصدرها الدستور لابد ان تكون مقيدة، لا لانها يجب ان تمارس على وفق الأوضاع الديقراطية، ولكن لوجوب احترامها لوضعها الدستوري و الا فقدت صفتها القانونية.
فاذا ما نص الدستور على ان امورا معينة لا يمكن تنظيمها الا بقوانين تصدر من السلطة التشريعية في الدولة فان ذلك يستتبع حتما تقييد سلطان الدولة في هذا الشأن لانها لن تستطيع تنظيم هذه الامور عن طريق السلطة التنفيذية. كما ان الدستور اذا ما فصل بين سلطة سن القوانين وسلطة عمل الدستور، أي انه اذا ما أخذ بفكرة الدستور الجامد وفرق بين القوانين العادية والقوانين الدستورية، كان ذلك اكثر تقييدا لسلطات الدولة بقدر جمود الدستور وبقدر ما توضع من قيود على تعديله. ووجود الدستور يعني تقييد السلطات المنشأة في الدولة، أي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، لان الدستور هو الذي انشأها ونظمها وبيَّنَ اختصاصاتها، ولانها تابعة للسلطة التأسيسية. اما الرقابة القضائية فهي وحدها التي تحقق ضمانة حقيقية للافراد، اذ تعطيهم سلاحا بمقتضاه يستطيعون الالتجاء الى جهة مستقلة تتمتع بضمانات حصينة من اجل الغاء او تعديل او التعويض عن الاجراءات التي تتخذها السلطات العامة بالمخالفة للقواعد القانونية المقررة.
واستقلال السلطة القضائية وتمتعها بالضمانات الكافية لصيانة هذا الاستقلال ضروريان لتحقيق رقابة فعالة ومنتجة. ولاشك ان ما يتمتع به القضاء في بلد مثل بريطانيا من حصانة واستقلال، وعلى الخصوص تجاه السلطة التنفيذية لكفيل بتحقيق رقابة قوية على الادارة البريطانية وباخضاع الحكام البريطانيين لاحكام القانون وتحديد سلطاتهم تحديدا فعالا .
اما حيث يفقد القضاء استقلاله ويكون رجاله من حيث اختيارهم او ترقيتهم او ممارسة اختصاصاتهم خاضعين للسلطة التنفيذية فان الرقابة القضائية تفقد معناها على الاقل بالنسبة للحكام، ويصبح مبدأ خضوع الدولة للقانون وهميا لا وجود له. الا ان البحث يثور مع ذلك حول المفاضلة بين تخصيص قضاء مستقل للنظر في اقضية ومنازعات السلطات العامة(أي بين فكرة القضاء المزدوج التي تقيم الى جانب القضاء العادي الذي يفصل في منازعات الافراد، قضاء اداريا خاصا بمنازعات الجهات الادارية) وبين فكرة توحيد القضاء وجعل المنازعات الخاصة والعامة أي سواء السلطة العامة طرفا فيها او لم تكن من اختصاص جهة قضائية واحدة.
ومهما تكن نتيجة هذا الجدل فلا شك ان الضمانة الاساسية لتحقيق نظام الدولة القانونية هو خضوعها لقضاء في جميع نشاطها التشريعي ونشاطها الاداري. ومن ثم يكون من اللازم حتى يكتمل خضوع الدولة للقانون، ان يتم َّ تنظيم رقابة قضائية على القوانين وعلى الاعمال الادارية معا. وبذلك نكون قد انتهينا من بيان العناصر الاساسية لنظام الدولة القانونية الكامل وما يكفل تحقيقه من ضمانات . على انه يجب التنبه الى تخلف عنصر من هذه العناصر او اغفال ضمانة من الضمانات، لا يعني عدم خضوع الدولة للقانون، وانما يعني فقط ان نظام الدولة القانونية ليس كاملا .
فقد سبق لنا القول بان نظام الدولة القانونية نظام مثالي لم يتحقق بصورة كاملة في القانون الوضعي، وانما تأخذ الدول ببعض مظاهره من دون بعضها الاخر، كما ان قائمة العناصر والضمانات التي سردناها، ليست سوى محاولة فقهية من جانبنا، اردنا بها ان نسوِّغ العناصر والضمانات التي نرى ضرورة توافرها لقيام ذلك النظام وقد يرى غيرنا ان هذه العناصر او تلك الضمانات ليس من اللازم توافرها جميعا لتحقيق نظام الدولة القانونية، بينما من الممكن ان يجدها غير كافية لاقامة النظام. ومن اجل الحفاظ على مفهوم الدولة القانونية الذي كان حصيلته مبدا المشروعية، جاهد الفقه من اجل تشييد نظرية عامة تحتوي فكرة المشروعية الاستثنائية او مايطلق عليها مشروعية الازمات وذلك لكي يكون اساسا قانونيا لكل خروج عن الحدود التي تضعها القوانين الوضعية القائمة.
وقد كان للقضاء الاداري في فرنسا على وجه الخصوص دور بارز في تشييد هذه النظرية في نطاق القانون العام وذلك بوضع الضوابط الدقيقة التي تنظم وتحدد هذا الخروج” الخروج على القوانين” من جانب الادارة وتكفل في الوقت نفسه رقابة فعالة قادرة على حصر هذا الخروج داخل هذه الضوابط وتلك الحدود، كل ذلك في اطار موازنة دقيقة بين اعتبارات المحافظة على حقوق الافراد وحرياتهم وبين سلامة الدولة ودرء ما يهددها من مخاطر.
كاتب المقال
خبير في القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية
وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية
محمول 0124121902
الدكتور عادل عامر
متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)