روايات مُسلسلةمنتدي أوراق عربية

جابر القصاص لموقع أوراق عربية …. المُحاكمة – قصة مُسلسلة ج3

جابر القصاص لـ موقع أوراق عربية …. المُحاكمة – قصة مُسلسلة  ج 3

 

ذراعه يستكين على كتفها الرقيق، أم أنها هي التي كانت تستكين تحت ذراعه؟
يجلسان ملتصقين داخل الجاكوار الفارهة، التي يقترب سعرها من مليوني جنيه.
الابتسامة ذات الابتسامة التي طالما تشربتها بناظريّ، لكنها لم تعد مرتسمة لي أنا!
النظرة ذات النظرة.. لكنها لم تعد موجهة لي أنا!

ذات الملامح الدقيقة الفاتنة.. غير أن وجهها الساحر ازداد توردًا وسطوعًا!
كلوحة ذات لون واحد سائد، ظهرت فيها بقعة صغيرة ذات لون مغاير،

لا أدري حتى الآن إن كانت اللوحة البيضاء والبقعة سوداء أم العكس، فقط أعرف أن تلك البقعة كانت بارزة جدًا في حياتي..

إنها (وفاء) ابنة الصائغ!!

دخلت حياتي في المرحلة الثانوية، وأنا أبدأ رحلة المراهقة، لكنها كانت أكثر نضجًا وذكاء، ولن أقول أكثر جمالًا لأنها كانت – وما زالت – أجمل من بالأرض جميعًا!

كانت مشاعرنا كماء الصنبور حين يفتح فيبدأ التدفق برفق، ثم بغزارة،

ثم يقل التدفق تدريجيًا حتى يختزل في قطرات واهنة متقطعة، قبل أن يخمد تمامًا ويتوقف عن التدفق،

وتختفي حتى القطرات! أو كشمس الشتاء حين تولد في الصباح دافئة حنون، ثم تتوهج تدريجيًا وتصل إلى ذروة الوهج والحرارة بالظهيرة، قبل أن تزول وتنحدر شيئًا فشيئًا إلى أن يواريها الغروب،

ولا يتبقى منها سوى احمرار الشفق، الذي سرعان ما يلتهمه الظلام!

كانت مشاعرنا نقية شفافة كمياه جدول صافٍ، أنا البادئ،

لكن هذا هو الطبيعي مع أي حسناء ملائكية صغيرة مثلها، تفتحت وسط حديقة من الأعين المراهقة،

كل من بالمدرسة كانوا يحبونها، كل من بالمدرسة كانوا يتلهفون عليها، بما في ذلك المعلمون أنفسهم، قبل حتى الطلاب الصبية المراهقين!
قال لي (عاطف) بخبث:-

– “بنت كالفرسة، عيونها خضراء كالأجنبيات، وأبوها صائغ، يملك الكثير من الأموال..

إنها تناسب جميع الأذواق، الأستاذ (رأفت) سيموت عليها، راقب نظراته فقط!”

جميلة ذات أعين خضر أستطيع أن أرى ذلك، كما أستطيع أن أرى كل تلك النظرات المتلهفة التي تتوجه نحوها طيلة الوقت،

لا الأستاذ (رأفت) فحسب، لكن من أين عرف أن والدها يملك الكثير من الأموال؟

– “أيها الغبي! وهل يوجد صائغ فقير؟ إنهم غارقون في الذهب غرقًا..”

لي عم يعمل بمكتب بريد، طوال الوقت يعد في أموال السحب والإيداع لعملاء المكتب، لكنه فقير رغم ذلك، لماذا يكون هذا مختلفًا؟
– “لأن الأموال التي في البريد ملك الزبائن والحكومة،

لكن الذهب المشكل في ذلك المحل ملك لصاحبه فقط، والدها.. كما أنه يتجر فيه ويربح يوميًا، لديه سيارة فخمة، وبناية شاهقة، وما خفي كان أعظم!”

لا أعرف لماذا كنت أجادل في هذه النقطة،

رغم اقتناعي بما يقول، ربما لأبعد عن نفسي فكرة اهتمامي بتلك الأموال التي يملكها والدها، والتي بالتأكيد لا أملكها أنا وعائلتي كلها..
أنا والدي من الطبقة التي إذا دللناها قلنا عنها: طبقة كادحة، وإذا تخلينا عن التدليل والتنميق قلنا: طبقة مطحونة، طبقة مقهورة، طبقة مستعبدة، كان يعمل معلمًا بمدرسة ابتدائية،

يتقاضى راتبًا ضئيلًا بالتأكيد لا يكفي احتياجات أسرته الضرورية، فضلًا عن الكماليات،

لديه زوجة، وخمسة أبناء، افتتح له مكتبة لبيع لكراسات والأقلام والأدوات المدرسية في محاولة منه لتوفير دخل يكفي متطلبات زوجته وأبنائه الخمسة،

لكنه مع ذلك لا يكفي على الإطلاق! مما اضطرني – كأكبر هؤلاء الأبناء – للبحث عن عمل في سن مبكرة، رغم مواظبتي على دراستي حتى حصلت على شهادة جامعية!

وهكذا وجدت نفسي صبيًا مراهقًا يعجب بحسناء فاتنة، ابنة صائغ ثري، تدرس معه بذات المدرسة!

لم أكن بحاجة إلى إقناع باستحالة هذا الحب، ولم أكن بحاجة إلى إقناع بأن أحتفظ بإعجابي لنفسي، وأجتهد في إخفاء نظراتي الوالهة المختلسة إلى تلك الحسناء كي لا تلحظها،

من بين عشرات النظرات الوالهة الحسناء التي تسعى إليها قصدًا كي تلاحظها!

لأفاجأ ذات يوم بأنها لم تلاحظ سوى نظراتي أنا المخبأة من بين جميع النظرات الأخرى!

قال لي (الحسيني) في ليلة من ليالي السجن الطويلة المظلمة:-

– “هن أذكى منا يا صديقي.. ولديهن حواس أقوى من حواسنا،

بوسعهن أن يريننا من حيث لا نشعر، هن لسن حتى بحاجة إلى الالتفات كي يبصرن الأشياء،

بل يستطعن أن يرين كل شيء دون التفات!”

أعتقد أني عرفت ذلك قبل أن يخبرني به (الحسيني) بسنوات طويلة، لكني لم أعرف في ذاك الوقت لماذا أنا بالذات من بين الجميع!

لم أكن الأكثر وسامة، بل على العكس، كنت الأكثر وضاعة وتشردًا، ولم أكن الأذكى،

كنت متوسطًا، بل أقرب إلى الغباء والبلاهة، وبالتأكيد كنت في قاع الطبقات الاجتماعية المعروفة.. باختصار لم أكن أملك أي شيء يلفت انتباه حسناء مثل (وفاء)، أو حتى دونها!!

– “لقد كنت مختلفًا!!”

كذا قالت لي، واستغرقت وقتًا طويلًا حتى أكتشف طبيعة هذا الاختلاف، وفي كل مرة كانت تقول:-
– “لا أستطيع أن أحدد شيئًا معينًا.. فقط أعرف أنك كنت مختلفًا!”

لكني كنت فعلًا بحاجة إلى أن أعرف.. وكنت ألحّ كثيرًا في السؤال، حتى قالت لي ذات يوم:-

– “أعتقد أنك الرجل الوحيد في هذا العالم الذي لا يسعى لإثبات أنه الأفضل، أو لإقناع الآخرين بأنه يعرف كل شيء،

وقادر على أي شيء.. أنت الرجل الوحيد الذي لا يسعى للإمساك بزمام الأمور،

وتحويل الأنثى إلى شيء يحتفظ به في جيبه، ويخرجه فقط إذا أراد التطلع إليه، ثم يعيده إلى جيبه مرة أخرى!!”
– “هل عرفت ذلك منذ البداية؟”
تجيب في عذوبة:-
– “فقط الجزء الأول كان البداية!”

لمتابعة المزيد من أعمال  جابر القصاص بــ موقع اوراق عربية / روايات – قصص مسلسلة 

لمتابعة المزيد من الأعمال بـ موقع اوراق عربية / روايات – قصص مسلسلة علي فيسبوك 

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق