وطننا العربي

تداعيات حكومة ربط النزاع

حسن نصر الله

غالب قنديل

أبدى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله تفهما للانتقادات التي تنازلت صيغة الحكومية الجديدة لجهة أسماء بعض الوزراء والحقائب التي تولوها وكان كعادته صريحا وواضحا بالقول إن حزب الله قدم التنازلات وصولا إلى حكومة ربط النزاع ليمنع الفراغ الدستوري في البلاد وما ينطوي عليه من مخاطر مشيرا بوضوح إلى تراجع الفريق الآخر عن الفيتوات والشروط التي وضعت في طريق تشكيل الحكومة وهو ما اعتبره حزب الله وحركة أمل فرصة للتأليف تمت ملاقاتها بقبول صيغة الثلاث ثمانات التي كانت مرفوضة من قبل.

أولا بعض المعترضين من صفوف 8 آذار لهم دوافع متعددة كما قال السيد نصرالله الذي احترم حق الاختلاف في التقدير بين الحلفاء وكان ديمقراطيا في التعامل مع الاعتراضات  والتعبيرات التي ظهرت في الشارع أو عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ورغم أن يعضها كان متعسفا في قسوته بالمخاطبة والتقييم السياسي لأداء قوى 8 آذار في عملية تأليف الحكومة التي كان واضحا أن المدى الزمني الضيق المتاح لتأليفها ضغط على سائر الأطراف وسرع بالتالي في عملية التشكيل بتنازلات متبادلة.

تراجع تيار المستقبل خصوصا عن موقفه الذي أعلنه فور تكليف الرئيس تمام سلام بتشكيل الحكومة شكل نقطة البداية ولكنها بداية جاءت استجابة لقرار أميركي ألزم المملكة السعودية بإزالة الفيتو والرضوخ لتشكيلة حكومية يشارك فيها حزب الله وبينما يواصل الحزب قتاله في سوريا إلى جانب الدولة الوطنية وهذا ما بدا واضحا في تصريحات السفير الأميركي ديفيد هيل وفي الكلام المنسوب إليها داخل كواليس التشاور مع حلفاء الولايات المتحدة من القوى السياسية اللبنانية حيث حذر هؤلاء من النهج الاستفزازي المتمثل بطرح حكومتي الحياد أو الأمر الواقع وقد اعتبر هيل ذلك السلوك نذيرا بتحول شامل يطيح بحلفاء الغرب في لبنان بنتيجة المواجهة التي سيفرضها بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار واختصر ديفيد هيل الحصيلة بالقول إن حزب الله وسوريا سيمسكان بالوضع اللبناني بنتيجة أي مجابهة .

ثانيا طرح بعض المعترضين والناقدين أفكارا عديدة وجيهة من نوع الحاجة إلى تمثيل الأحزاب الوطنية الحليفة وخصوصا الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث وهو ما لم تسمح به معادلة التشكيلة التي قامت على مبدأ 24 وزيرا في حين أن تمثيل حزب الله بوزيرين حزبيين كان أمرا لا بد منه لتثبيت إسقاط الفيتو الأميركي السعودي في صيغة الحكومة وبالتالي فلم تكن الصيغة تتسع للتخلي عن أي مقعد وزاري سواء لتمثيل الأحزاب الحليفة أو الحلفاء السنة في 8 آذار أو لتوزير شخصية كاللواء جميل السيد أو لفرض تمثيل الوزير طلال إرسلان أو الوزير وئام وهاب.

مما لا شك فيه أن قيادة حزب الله لم تكن لتتأخر عن أي خطوة من تلك  الخطوات التي تعزز حضور الحلفاء وتحصن الطابع التمثيلي لحكومة ربط النزاع التي تم الاتفاق عليها وهي بحكم طبيعتها ستكون ميدانا لإدارة الأزمة ولإدارة الصراع السياسي في البلد بين جبهتي 8 و14 آذار حول سائر القضايا المختلف عليها ولبلورة التفاهمات ضمن صيغة الحد الأدنى التي عبر عنها رئيس الحكومة بعد صدور مراسيم التأليف حيث وضع للحكومة هدفين رئيسيين هما إجراء الانتخابات الرئاسية ومكافحة الإرهاب.

ثالثا إن بعض المعترضين يتجاهلون حقيقة أن تراجع قوى 14 آذار عن الشروط التي وضعتها لتأليف الحكومة وعن الفيتو الذي وضعته في وجه مشاركة حزب الله والذي جاء بقرار أميركي إنما جاء نتيجة مباشرة للتحولات الجارية في الميدان السوري وللفشل الأميركي السعودي بتعديل التوازنات في حين تحولت المواجهة مع العدوان على سوريا بالشراكة بين حزب الله والدولة الوطنية السورية وإيران إلى عنصر أساسي في صياغة وبلورة التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة ولذلك انعكاسه غير المباشر على الوضع اللبناني وتوازناته وتضحيات حزب الله كانت عنصرا حاسما في بلورة هذه الحقيقة السياسية.

إن انتقال الولايات المتحدة إلى سلوك عملي ينطلق من أولوية مكافحة الإرهاب ما زال يصطدم بالأوهام الأميركية السعودية حول إمكانية الضغط على سوريا وعلى الرئيس بشار الأسد وبالتالي فالحسم النهائي للهزيمة الأميركية السعودية يبدو على أبواب فصل جديد من معارك الميدان التي يتقدم فيها الجيش العربي السوري والدولة الوطنية السورية ومعها حلفاؤها وفي مقدمتهم حزب الله على خط المعارك حيث ينبغي لتصفية معاقل الإرهاب وعبر المصالحات حيث أمكن لاستعادة سلطة الدولة وإلقاء الجماعات المحلية المقاتلة للسلاح وانخراطها في منظومة الدفاع الشعبي ضد عصابات التكفير الإرهابي  كما يحصل في ريفي دمشق وحمص.

رابعا  ربط النزاع في لبنان ينتظر ذلك الفصل السوري الحاسم الذي سيبلور صيغة الشراكة والتفاهم الدولي الإقليمي الجديد ومعها صورة التوافق الممكن على الاستحقاق الرئاسي وفي قلب ربط النزاع تتقدم قوى 8 آذار بعيون مفتوحة لدفع الحكومة نحو تبني خطة وطنية لمكافحة الإرهاب التكفيري وهذا ما سيكون مطروحا على طاولة مجلس الوزراء وفي صلب البيان الوزاري وهو يؤمن غطاءا سياسيا واسعا للجيش اللبناني الذي يسجل خطوات مهمة في تفكيك شبكات الإرهاب التكفيري .

تبني حكومة ربط النزاع لأولوية مكافحة الإرهاب التكفيري  تداعيات كثيرة بدأت تظهر بعض مؤشراتها ولمن يريد أن يفهم المغزى ننصح بقراءة بيان النائب خالد الضاهر الذي أصدره يوم أمس بينما يواجه المسلحون الذين أرسلهم إلى قلعة الحصن ضمن الحشد التكفيري الإرهابي من لبنان حصارا خانقا يقترب عبره الجيش العربي السوري إلى حسم المعركة هناك بينما يواجه المصير ذاته ما حشد من لبنان إلى منطقة القلمون من العناصر الإرهابية التكفيرية تحت رعاية المستقبل ممثلا بالعديد من نوابه ومسؤوليه.

 مجابهة الإرهاب كأولوية حكومية تبدو طريقا إلى فرز سياسي يعيد رسم الخارطة في قلب معسكر 14 آذار خصوصا في تيار المستقبل المطالب داخل الحكومة برفع أي غطاء سياسي عن الجماعات التكفيرية الإرهابية.

 

متابعينا علي فيسبوك
اضغط لتقييم المقال
نشكرك للتقييم ، رأيك يهمنا :)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق