أين تكمن ثورية وعروبة ثورة 23 يوليو عام 1952 في مصر؟بقلم الكاتب العراقي غازي الجبوري_خاص لأوراق عربية
أين تكمن ثورية وعروبة ثورة 23 يوليو /تموز عام 1952 في مصر؟
ولد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في (15 يناير/كانون الثاني 1918 – وتوفي في 28 سبتمبر/أيلول 1970) . تولى السلطة السياسية في مصر منذ عام 1954 بعد أن عزل الرئيس محمد نجيب لحين وفاته في سنة 1970. وهو أحد الضباط الذين قادوا التغيير السياسي في 23 /يوليوتموز 1952، ومن أهم نتائج التغيير خلع الملك فاروق عن الحكم، وبدء عهد جمهوري في مصر . وبدا الاهتمام بالقومية العربية يتزايد من قبل الحكومة الجديدة بقيادة عبد الناصر مما أدى إلى إقامة وحدة بين مصر وسوريا سنتي 1958 و 1961، وأقيمت جمهورية متحدة جديدة تضم البلدين عرفت باسم الجمهورية العربية المتحدة. و شجع عبد الناصر عدد من التغييرات والانقلابات السياسية في عدد من أقطار الوطن العربي وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. و كان له دور قيادي وأساسي في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1964 ومجموعة دول عدم الانحياز وسياسة الحياد الايجابي.
وعد عبد الناصر من بين ابرز الشخصيات السياسية التي أثرت كثيرا في المسار السياسي في العالم الثالث فضلا على العالم العربي في القرن العشرين. وعرف بتوجهاته القومية واعتزازه بانتمائه العربي وسعيه لبناء وطن عربي يضم الجميع. وأصبحت أفكاره مذهبا سياسيا حمل اسمه و اكتسب الكثير من المؤيدين في الوطن العربي خلال فترة الخمسينيات والستينيات. وبالرغم من اهتزاز صورته بسبب نكبة العرب في 5 يونيو /حزيران عام 1967 إلا أنه بقي يحظى بشعبية وتأييد في مصر والعالم العربي محملين رفاقه مسئولية الهزيمة مما دفع المواطنين المصريين للنزول إلى شوارع القاهرة بحشود كثيفة مطالبينه بالعودة عندما استقال بعد انتهاء الحرب إعلانا منه عن تحمله المسئولية شخصيا عما حصل، وقد تجسد هذا التأييد بصورة أقوى وأكثر وضوحا عندما سارت الملايين خلف جنازته عند وفاته وحزن عليه أبناء العالمين العربي والثالث حزنا شديدا.
إلا أن تغيير النظام السياسي في مصر على يد مجموعة من الضباط المصريين يوم 23 يوليو/تموز 1952 مثله مثل جميع التغييرات التي عرفها التاريخ ، اتسم بالإيجابيات والسلبيات. كما اتصف عبد الناصر كقائد لهذا التغيير مثله مثل جميع أقرانه عبر العصور بمزيج من الإيجابيات والسلبيات أيضا. فكان للتغير وقائده وزملائه مؤيدين ومخالفين لأسباب مختلفة منها فكرية ومنها عملية فمنهم من عدها ثورة ومنهم من عدها عكس ذلك وهناك من ينظر إليها ليست ثورة مصرية فقط بل ثورة عربية في حين أن هناك من يخالف هذا الرأي .
ولكي نقيم هذا التغيير الكبير بعد 58 سنة من وقوعه بطريقة تجعلنا نظهر للقاريء وللمؤيدين والمخالفين أكثر حيادية لابد لنا أن نكون حياديين في تحليلنا بالاستناد إلى أدلة معروفة وحقيقية لايستطيع احد أن يدحضها بسهولة ، لبيان مدى ثورية وعروبة ماحدث في 23 يوليو/تموز عام 1952 وحجم هذه الثورية ومقدار هذه العروبة.
فإذا ما قارناه بكل التغييرات السياسية الأخرى التي سبقتها وتبعتها فإنها تبقى المتميزة والمتفوقة ، لأنها حققت الاستقلال الوطني لمصر والعديد من الأقطار العربية والدول النامية في جميع القارات، إلى جانب ما أنجزته من تحولات اجتماعية وتنموية وخروج من دائرة الاستقطاب الدولي والتبعية ، والتي كان للزعيم الراحل جمال عبد الناصر وزملائه من الضباط في مجلس القيادة دورا حاسما في تحقيقها برغم شراسة الأعداء في الداخل والخارج وتكالبهم على مصر وتآمرهم على القيادة . فلولا الاستعمار والصهيونية في الخارج وعملائهم داخل مصر خاصة والوطن العربي عامة ، لكان بإمكان حكومة عبد الناصر أن تنجز الكثير من خططها ومشاريعها وبرامجها الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية الوطنية والقومية.
فالأوضاع العربية المتردية والمزرية التي كانت سائدة قبل التغيير وأخذت بالتحسن خلال عهد عبد الناصر عادت وتفاقمت من جديد بعد غيابه. بدليل ما يحصل الآن في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق ولبنان والسودان والصومال بشكل مباشر، وما هو حاصل في أقطار عربية أخرى بشكل غير مباشر منه ماهو ظاهر للعيان ومنه ما خفي وهو أدهى وأمر!! في ظل غياب الكرامة والإرادة العربيتين نتيجة التباين الفائق بين القوة الصهيونية الشاملة والضعف العربي الشامل!
فالفكر القومي الذي اعتنقه جمال عبد الناصر ما كان يوماً دعوة إلى تغييب الديمقراطية أو القفز من فوقها ، ولا وجهاً للقمع والفاشية أو رديفاً للدكتاتورية الفردية ، بصرف النظر عما أُلصق بالتجربة الناصرية من تهم وافتراءات بهذا الخصوص او كانتقادات بناءة قيلت بحسن نية ، قد يكون بعضها القليل صحيحاً وقد يعود العذر فيها لِقصر عمر التجربة نفسها وكثرة الإرهاصات والإفرازات السلبية والكبيرة التي ورثتها عن مراحل الاستعمار المتعددة ونظام الحكم الملكي الذي انقلبت عليه ، إضافة إلى تكالب القوى المعادية في الداخل والخارج ضدها.
إن كل ما قيل وتم تداوله عن التجربة الناصرية والتغيير وعن عبد الناصر شخصيا صاغه المغرضون في إطار خطة للنزعات القطرية البحتة التي استشرت في الوطن العربي بعد رحيل عبد الناصر، تلك النزعات التي حوّلت الأقطار العربية إلى أشبه مايكون بدويلات المدن التي سادت في العراق قديما ويحاول البعض إعادتها حاليا ، لممارسة القمع والفاشية والدكتاتورية تحت سمع وبصر العالم بما فيه الولايات المتحدة الأميركية التي ترفع راية الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان في العالم !
وإذ نستذكر الذكرى العطرة لابد لنا أن نتوقف طويلا كل عام عند جمال عبد الناصر وتجربته ونقف عند التغييرات الجذرية التي استطاع أن يحدثها وطنيا وقوميا والتي ترتقي بالتغيير الذي قاده إلى مستوى الثورة العربية الشاملة ، ونحن نعيش الانتهاكات البشعة والإجرامية التي يمارسها الصهاينة في الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق ، والتي للأسف يمارس الجزء الأكبر منها على أيدي الأخوة بين بعضهم في فلسطين والعراق نيابة عن الأعداء مما سيعيد العرب إلى ماقبل التاريخ أن لم تحدث معجزة ربانية توقف هذا الانهيار.