أحمد المنسي يكتب الحق والرجال
في زمن الفتن .. يبحث الناس عن مخرج وهداية , ويتخبط البعض فيذهب إلى فكرة آتيا من فكرة , ويصبح الأبيض رمادي , والرمادي حالك السواد , وفي هذه الحيرة يصطدم العقل بالنقل والتحليل بالتأويل , وفي ظل هذه المعطيات الجسام تتساقط قيم وتنهض قيم , وتموت مبادئ وتحيا أخرى , وتتنحى مُسَلَّمات وتتمكن غيرها .
ومن أبرز علامات السلامة .. أن يعرف المرء الرجال بالحق , ولا يعرف الحق بالرجال , قد يحتاج الأمر إلى شيء من التوضيح , والمقصود أن الرجل إذا انحاز إلى الحق فهو على صواب , وإن لم يفعل فهو على خطأ , وأما الحق فلا ينحاز إلى أحد لأنه هو المعيار المتبع بفتح الباء .
وللتفصيل هنا سنضرب مثلا .. فإن المرء قد يعجب بأحد الدعاة المشهورين ويتبعه ولا يأخذ فتوى إلا منه, فإذا فُتن هذا الداعية وانصرف عن الحق يوما من الأيام , فهو بين أمرين منه , أحدهما أن يظل يتبعه , والآخر أن يُسقطه من اعتباره ويُسقط مع الدين, وفي الحالتين يقع هذا الشخص المتبع – بكسر الباء – في الفتنة ويكون على خطر عظيم .
الأصل لا يُرد إلى الفرع , وعليه فنقول أن الرجال يُعرفون بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال ,والمعنى .. أنه إذا سقط الداعية فلا تسقط الدعوة , وإذا فسد المسلمون لا يفسد الإسلام , وإذا فُتن أهل الدين والصلاح فإن الدين منهم براء.
قديما قالوا ( لا تقتدوا بالأحياء ,فإن كل حي مفتون ) ¸وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ( من كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ) وعليه فلا يتبع الحق رجالا ولا فريقا ولا أمة من الأمم , وإنما الحق هو المتبع – بفتح الباء , فلابد للانسان أن يميل حيث مال الحق ,ويكون معه أينما كان , فإذا جهل موقعه ,فما عليه إلا أن يفخر بدينه وعقيدته ,ولا يترك من الدين شيئا بدعوى سقوط أهله ودعاته – إن تبين له ذلك أو كان على سبيل الشك والتقدير .
قال أحدهم .. إن إمام المسجد غير صالح ,وقال الآخر إن الذي يعلمنا في الجامعة لا يطابق قوله عمله , وقال ثالث إن أبي ينهانا عن الفعل ويأتيه , قلنا .. لا تجعل إمام المسجد قدوتك فإن الدين فيه كتاب وسنة , ورسول قال الله فيه (إنك على الحق المبين ) وقال أيضا ( وإنك لعلى خلق عظيم ), فكن أنت الصالح القدوة لغيرك ما استطعت , قلنا .. كن مع الحق الذي ينطق به من علمك , ودعه وما يفعل , قلنا .. لعل أباك يريد لك الخير الذي لم يقدر عليه ,فافعل الخير وصاحب كل فضيلة .
قال الإمام مالك رضي الله عنه ” كل يأخذ منه ويرد إلا صاحب ذلك القبر عليه الصلاة والسلام”
قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيداً بغيضاً ، ومن جاءك بالباطل فاردده عليه وإن كان قريباً حبيباً “
يا سادة .. لا يجوز إهمال المساجد والصلاة فيها والإضرار بها بدعوى الخوف من التصنيف , فإن الدين دين الله ليس دين الجماعات ولا الأحزاب , وإن المساجد بيوت الله في الأرض .
يا سادة .. لا يغرنكم من وقع من الدعاة في الخطأ فإن الدعوة إلى الله قائمة إلى قيام الساعة – وإن انتفش الباطل وباض وفرخ – وإن الله ناصر عباده الصالحين بإذن الله, وهو يعرفهم .
يا سادة .. لا توقفوا الحق على الرجال , ولكن زنوا الرجال بميزان الحق .
يا سادة .. إن كثيرا من الدعاة والصالحين على مر التاريخ كانوا لعبة وأضحوكة في يد الساسة , فلا تختزلوا الدين في رجال اجتهدوا فأخطئوا , أو فُتنوا فضلُّوا طريق الحق .
إن الحق لا يتغير بزمان أو مكان وإنما هو راسخ ثابت إلى أن تقوم الساعة, ولا ينبغي إن ينحاز الناس إلى متغير , بل ينحازوا إلى ما لا يتغير ولا يتبدل .
إن معيار العدل والحق لا يعرف الحب والكراهية , ولا ينبغي أن يتحكم الهوى في حكمنا على الأشياء والأحداث , ولا يليق – أدبا مع الله – أن تتأثر صلتنا به وعبوديتنا له بمتغيرات أرضية في عالم البشر, ولا يمكن أن تزول الأخلاق باجتماع العامة على السفال .
كفى بالمرء عارا أن يكون كالريشة في مهب الريح, إمعة , يميل مع الهوى حيث مال , لا يعرف الحق إلا إذا كان تبعا لمراده , إذا أحب شيئا رفعه وإن كان باطلا , وإذا كره شيئا أسقطه وإن كان حقا .
وإن قيمة الانسان فيما يعرف من الحق وأسبابه , فيأتي منه ما استطاع أن يأتي , ولا يقول إلا خيرا ,ولا يظن إلا حسنا , فإن كانت فتنة في الناس كان ابعد ما يكون عنها , وكان فيها جميلا بجمال الحق الذي معه ,فلا يوالي ولا يعادي حتى يتبين له الطريق , ولا يكون أداة إلا للبناء والخير .. والسلام.